الكتابة بالنحت والوشم

 

 

لم يكتب الأمازيغ الأوائل تاريخهم بالأبجدية، كل ما تركوه مكتوبا بأحرفهم الخاصة يعدّ نادرا وشذرات لا ترسم أي معالم تاريخية محددة.. بينما اختاروا النحت تعبيرا لغويا لكتابة تاريخهم.. سواء عبر نحت يهتدي إلى الخلود أو آخر يبتغي الزوال.. الأول مستعينا بالسند الحجري والثاني بالجسد البشري.
ولأن الآلهة مقيمة في الحجر، يقول روجي كايوا Caillois، نقشَ وحفر ونحت الأمازيغ تعاليمهم وتقاليدهم وطقوسهم وآلهتهم (لغتهم المقدسة) في الصخر ليجعلوا منها خالدة، تتناقلها التضاريس إلى الأجيال اللاحقة.. وتحميها الطبيعة من التلف، مقاومةً عوامل النسيان والخرف، محتميةً بالذاكرة الجماعية التي تغنيها وتنعشها.
قدّس الأمازيغ الأرض (بصخرها وحجرها)، لهذا يشتق لفظا البلاد والأرض من لقب هؤلاء الرجال الأحرار: «تَمازيغْت». وحتى الأسطورة تخبرنا أن الأرض قبل أن تصير صلدة كانت عجينا وخبزا، لهذا سَهُل نقشها من قبل الأوائل.
ويتحول الجسد، الأنثوي خاصة، إلى حقل/أرض رموز وعلامات: منحوتة حية تتمشى على «الأرض»؛ نوع من إخراج الحي من الميت، البشري من الصخري. وإدخال الزائلِ في الأزلي والبائد في الخالد.
يغدو جسد المرأة منحوتة تتنفس، وسندا لغويا يدوّن عليه تعابير اجتماعية وإثنية وثقافية وطبقية، (لغة القبيلة).. فيتناغم الجسد مع صاحب(ته) وتتحد العلامة مع الجسد، فيغدو الشخص هو عينه تلك العلامة، هويته الدالة عليه.. شأن الأمازيغ في هذا شأن افريقيا جلها. حيث تحكي القصة أن أحد أفراد قبيلة إفريقية حينما رأى بورتريها له مرسوما من قبل أحد الغربيين المستكشفين، لم يعترف بأنه هو ذاك الذي في الرسمة، بينما حينما طُلب منه رسم نفسه، عمد إلى رسم ذلك الوشم/الوسم/الرسم الذي على جبينه.. لقد اتحد مع علامته/وشمه.
اختار الأمازيغ الأوائل النحت (الرسم، النقش، الوشم)، زائلا (جسديا) أو خالدا (حفرا على الصخور)، طريقة للتعبير وسبيلا للخلود، وهوية ذاتية وجماعية.. لتغدو الصورة المنحوتة والموشومة تضاعفا للذات والجسد والجماعة.
لم يكتفِ الأمازيغ الأوائل بنقش/نحت/وشم/وسم الجسد بعلامات دائمة محفورة في طبقات الجلد، إذ اهتدوا أيضا إلى مضاعفة المضاعف، مضاعفة الصورة، عبر إضافة رسم زائل وذي قيمة رفيعة رديفة الاحتفال والفرح، من خلال نقوش الحناء على أطراف معينة من الجسد، بينما يمكن غسل هذا الأخير (النسائي بالخصوص) كاملا بالحناء لتطهير وتنقيته، واستعدادا لملاقاة الجسد الآخر.


الكاتب : عز الدين بوركة

  

بتاريخ : 18/09/2023