المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر  44 : الترحال والإقامة المزودوجة  وتعدد الزوجات

 “المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة .
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

يؤكد الدكتور حسام محمد عبدالمعطي أن العديد من العوامل كانت تدفع  التجار للزواج من أكثر من مرة أو اتخاذ مستولدات ومنها عدم الإنجاب؛فالتاجر الذي لم تنجب له زوجته الأولى كان يتزوج من أخرى من أجل إنجاب الأبناء،كما كانت نوعية الأطفال أيضا سببا من أسباب الزواج، فقد كان العديد من التجار يبحثون عن إنجاب الذكور لكي يحملوا أسماءهم وثرواتهم. وكان ميلاد الطفل فرصة لإقامة احتفالات تشارك فيها الأسر المغربية الأخرى؛ حيث كان الولد الذكر في المجتمع المصري والمغربي  مرغوبا فيه ومن حسن الحظ عند التاجر المغربي أن يرزق بطفل ذكر. وعندما يكون المولود أنثى فإنها تستقبل عادة بفتور خاصة إذا كانت البنت الثانية، فمثلا،يقول المؤلف،  أنفق على أسبوع محمد بن الخواجا العربي المنجور مبلغا كبيرا،  وهو مبلغ يعكس الاهتمام بالمولود الذكر من جانب التجار المغاربة.
ويلاحظ صاحب الدراسة  أن هذين  السببين  يتلازمان ويتكاملان؛ فمسألة الإنجاب والأبناء الذكور كانت دائما هاجسا ملحا ميز الفكر الذكوري السائد في المجتمع،ويقدم كمثال ذلك،  الخواجا أبو جيدة بن محمد القباج المغربي الفاسي،الذي  كان تاجر أقمشة كبيرا في وكالةالمصبغة وكان متزوجا من فاطمة بنت محمد بن ذكري. إلا أنه لم ينجب منها سوى ابنتين هما مكية وآمنة. لذلك فقد تزوج من فاطمة بنت أحمد بن عبد الخالق جسوس وكانت  أرملة ولكن لم يرزق منها إلا بابنة واحدة هي رقية. كما أن الخواجا محمد بن أحمد شقرون كان متزوجا من ابنة عمه صفية بنت محمد شقرون التي لم تنجب مما دفعه بالزواج من أخرى’، وهكذا فقد كانت الرغبة في وجود وريث ذكر يحمل اسم التاجر ويرث هذه الأموال الكثيرة التي جمعها التاجر بعد رحلة معاناة كبيرة، كانت هذه الرغبة هاجسا ملحا
على أنفس هؤلاء التجار.
يقول الدكتور حسام عبدالمعطي، إنه بالإضافة
إلى ذلك، فقد أسهم الترحال والإقامة المزدوجة في أكثر من مكان في هذا الأمر، حيث كان التجار كثيري الترحال بين المدن والبلدان،مما أسهم في اتخاذ منازل وزوجات لهم في المدن التي كانوا كثيري التردد عليها.
وللتصديق على كلامه، يقول المؤلف، كان لعدد من التجار المغاربة منازل وزوجات في جدة التي كانوا كثيري التردد عليها؛ وأخيرا فقد تزوج بعض التجار من زوجات أخواتهم المتوفين أو تزوج أبناء الأخ من زوجات أعمامهم للمحافظة عل الميراث العائلي ورعاية الأبناء ، إذ كان الزواج وسيلة لانتقال الأملاك من فرد لآخر خارج نطاق البيت أو للمحافظة عل الأملاك في بيت واحد، لذلك فقد كانت المرأة التي ورثت أموالا من زوج متوف أومن أب أو كانت في حالة ميسورة كانت في وضع أفضل من غيرها من النساء؛ فكان بإمكانها وضع العديد من الشروط عند زواجها مرة أخرى للمحافظة على حقوقها التي ترغب فيها، وكانت مكانتها الاقتصادية والاجتماعية تسمح لها بوضع مثل تلك الشروط.


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 19/06/2021