المقر الجديد لبائع الطيور

 

1
على جدار عجوز وسمٌ داكن غرابيٌّ
حطه يراع متعجم
الوسم يشع دكنة بلا توقف
ويخترق سنا الظهيرة
كأن به آثار أقدام
خلفها ذئب من فضة
السنا ذاته
ذاك الذي
يحتجز الوسم كي لا يرحل
ذاك الذي
يجعل طائر الجدار
يلوح كل صباح مغردا للعابرين.

2
طائر الجدار
هو الآن صديقي
أهرك الحبوب بين قبضتي
وكلما لاح الشارعُ فارغا
أطعمته حفنة من نسيم الحبوب
يبتسم الطائر
وأبتسم أنا
يقول لي سرا
لقد دوايتَ أيامي
ضمدتَ جراح وحدتي يا صاحبي
سأبقى هنا
في مقري الجديد
كي أراك كل نهار
زرني
كي أدوع وساوسي
كي لا تشق آهاتي خدود السماء

3
غبتُ لشهور.
مؤكدٌ
أن طائر الجدار يترقب عودتي.
موقنٌ
أنه لن يغير عنوانه
الإسمنتي الجديد.
سيتوقف فحسب
بقدر من الزمن
عن التغريد، وعلى الرصيف ستكثر بقع ذرْقِه.
الذرق يكون أحيانا أشكالا فظيعة
من أشكال الحزن.

4
البشر كارثيون
ففي غيبتي
رسموا قفصا على الجدار
وكبتوا أنفاس التحليق
فرضوا على طائري
الإقامة الجبرية في الحجر.
وعند الغسق
صنعوا له سماء دامية
هائجة
هادرة
هامدة
إنها الاقامة ذاتها
وقد استحالت
إلى احتجاز وطنيّ
وسهام لا مرئية
صوب غيوم مشنوقة.

5
لا زمن في السماء
والطيور لم يعد مسموحا لها
لا بالصعود ولا بالنزول
أتاحوا فقط
أن تصدر كل يوم
ثماني نغمات
تلكم أنشودة الساكن وراء الظل
تلك صرخة النائم داخل جدار

6
هذي السماء المألوفة فوقنا
غدت فجأة مبتذلة
لا أصوات تصعدُ
ولا إيقاع يُنسجُ.
يبللك المطر الأسود
ولا تلفي مظلة في صدرك
صدرك فارغ من المظلات
منذ أبدية بعيدة
تُطَهّرُ يُتمك بالكحول
وترفو جرح روحك بالريش
بيد أن حماسة الطفولة
صارت فزاعة
تخرج عليك كل يوم في الحلم.

7
ها أنت تتحرى الفراغ
قرب جدارك الأثير
تنحني عليه ولا مجيب.
هل مازلتَ بائع الطيور
القادم من بابل؟
هل أشرقتْ روحك
كالأساطير في هذا الشارع المكتظ
في هذه المدينة السوداء؟
هل غبتَ هناك
وانبجستَ هنا؟
هل حملتَ معك الريح العتيقة
كي تكنس هذا البولفار؟
أي غفوة خرافية
حملتك فوق الصفير
لتوقظ طائر الرخ
من داخل كل هذا الإسمنت؟

8
ينقصك فقط ليلتان
كي يباركك نهار الدهشة.
ينقصك فقط
بضع قطرات مطر
على خشب أخضر
كي تفرقع أصبعيكَ
مثل ساحر
يقف أمام جدار
كي يهبَّ طائرك
من داخل الجدار
ويحلق
بجناحيه العاتيتين
بعيدا..
بعيدا..
بعيدا..
عن الدمار.


الكاتب : عمر العسري

  

بتاريخ : 02/04/2021