المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث في دورته 34

استحضر روح الناقد بنعيسى بوحمالة، وناقش تأويلات النص الشعري

 

شكل المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث بشفشاون، المنظم من طرف جمعية «أصدقاء المعتمد» تحت شعار «النص والتأويل» في دورته 35، والتي انعقدت ما بين 4و5 ماي الجاري ، فرصة لاستحضار ذاكرة النقد في الشعر المغربي من خلال حلقة «ماستر كلاس» الذي نظم وفاء لروح الناقد المغربي بنعيسى بوحمالة، أحد رموز النقد الشعري المغربي والعربي، وهي الفعالية التي استضافت الناقد نجيب العوفي وأطرها الناقد حسن مخافي وناقشت بداية علاقة النقد المغربي بالقصيدة المغربية الحديثة، وأسئلته وانتظاراته.
«أورفيوز» النقد المغربي، كما وصفه الاقد نجيب العوفي في ورقته، كان مولعا بالتخريجات والتأويلات الثقافية للنصوص التي قاربها، حيث شكل التأويل أحد الرهانات الاستراتيجية في مشروعه النقدي، والذي راكم فيه منجزا نقديا متفردا على مستوى اختياراته واقتراحاته لأسئلة موضوعاته، أو على مستوى طرائقه المنهجية، مؤكدا أن تجربة بوحمالة النقدية تمثل حساسية متفردة في النقد وإضافة نوعية للنقد الشعري المغربي، اعتبارا لكونه جاء في فترة أفول الإيديولوجيا وانحسار البنيوية وبزوغ الطرائق المنهجية لما بعد الحداثة، واعتبارا أيضا لكونه جمع بين النقد والميتا نقد، مبتكرا منهجه الخاص بإعادة توظيف وتكييف ترسانته النقدية وفق رؤيته النقدية الخاصة، متحررا من نفوذ المنهجية السائدة ومفضلا شعرية الخطاب كدليل للمنجز الشعري.
لا يكتسب المشروع النقدي للراحل بوحمالة فرادته من اختياراته المنهجية فقط، بل أيضا من خلال لغته التي حررها من الصرامة المصطلحية والمفاهيمية، مُشَعْرِنا اللغة، بلغة باذخة هي «نسيج وحدها وسط اللغات النقدية المتصادية»، لغة ترشح رواء ونداوة وتكتسي زخما إبداعيا خاصا كونها صادرة عن «خلفية معرفية خصبة وحس إبداعي وإنساني مرهف وأصيل».
إن قارئ نقد بوحمالة، كما يؤكد العوفي، يقرأ نقدا ولكنه في نفس الآن يغنم ما أسماه بارت بـ»متعة النص»، حيث مرونة المنهجية التي تنشط فيها القراءة ، وحيث يمارس طقوس الحرية في القراءة وفي الحفر ومراودة النصوص هو «الكائن الشعري بامتياز قبل أن يكون ناقدا شعريا بامتياز».
بدوره اختار الناقد حسن مخافي رصد الإرث النقدي لأستاذه في المرحلة الإعدادية، الراحل بوحمالة، من خلال إبراز ملامح طلائعيته وثقافته الموسوعية التي استطاع من خلالها أن يبني سردية شعرية مخالفة للشعر العالمي والعربي، حيث اختط لنفسه نهجا خاصا في التعاطي مع الظاهرة الشعرية، وهو ما تبدى جليا من خلال كتابه الذي صدر في مجلدين «النزعة الزنجية في الشعر المعاصر»، هو الكتاب الذي صدر بعد مسيرة نقدية إلا أنه فاجأ في هذا العمل القارئ المغربي بموضوعه ومنهجه، لكونه كان أول من انتبه بحسه النقدي والثقافي إلى زاوية كانت مهملة في تحولات الشعر العربي المعاصر، موظفا المنهج البنيوي التكويني على سبيل الاستئناس ومنهجه الخاص الذي تميز به.
ووقف مخافي على مرتكزين أساسيين يقوم عليهما المشروع النقدي للراحل ويتمثلان في :
أن التجربة النقدية تجربة إبداعية بالمفهوم الأنطولوجي للتجربة، كما أنها مرتبطة بالتجربة الذاتية للناقد ، وهو ما يجعلها «لحظة مكاشفة تفاعلية بين تجربة الناقد وتجربة النص».
أنه حصن النقد من إنتاج نص مواز، باعتماده على جهاز مفاهيمي يسعى الى تحليل النص أولا، ثم تأويله في مرحلة ثانية، ما من شأنه أن يميط اللثام عن النصوص الغائمة في ثناياه.
وخلص مخافي إلى أن ما كان يستهوي الراحل هو النص الذي يحدث نوعا من التماس بين شخصيته وثقافته، والمختلف موضوعا وأسلوبا، وأن الراحل استطاع بالتراكم النقدي أن يضع يده على منهج خاص به في مقاربة القصيدة، اختيار حقق له خصوصية نقدية متفردة.
وفي نفس السياق، كانت ندوة «النص والتأويل» التي شارك فيها كل من النقاد: عبد اللطيف الوراري، نجيب العوفي، المعتمد الخراز، عبد الغني عارف، البشير البقالي والتي أطرها الشاعر الزبير الخياط، مناسبة ناقش من خلالها النقاد ، إنتاج النص الإبداعي من خلال القراءة التي تنتج سياقات جديدة له متوقعة وغير متوقعة، حيث تخرج القراءة النص الابداعي وخاصة الشعري منه، من نصيته الى التأويل باحتمالاته وانتاجه المتعدد خاصة حين يوضع على مشرحة الناقد فتتكشف جماليته ويكتسب حياة أخرى.
واختارت الأوراق النقدية للمتدخلين الحفر في نصوص كل من الشعراء أحمد بنميمون، عبد الكريم الطبال، أحمد لمسيح، أمل الأخضر. أوراق قاربت موضوعة التأويل من زوايا نقدية مختلفة، منها ما استند إلى النص أو المؤلف أو المتلقي، ومن خلال حساسيات شعرية توزعت بين أراضي قصيدة النثر والتفعيلة والعمودية والزجل، وهي نصوص مهما اختلفت بين الديني والفلسفي والادبي والتاريخي أو تباينت مستوياتها بين الوضوح والغموض، تظل أرضا خصبة للتأويل.
المهرجان عرف خلال يومي 5و6 ماي، تنظيم قراءات شعرية من ضفاف تباينت رؤاها وحساسياتها، لكنها التقت على محبة الشعر والحياة، كما عرف تكريم وجوه أدبية وإعلامية ، الشعراء، إدريس الملياني، أحمد لمسيح، أحمد بنميمون، أمل الأخضر، والإعلامي عبد الصمد بنشريف مدير قناة «الثقافية «والكاتب العام السابق لجمعية أصدقاء المعتمد محمد اليزيدي في لحظة اعتراف ودفق إنساني جميل.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 09/05/2023