الهندسة قاطرة التطور والتحديث وما بعد التحديث

بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الثالث لقطاع المهندسين الاتحاديين تحت شعار « المهندس الاتحادي في قلب معركة التنمية «، ارتأينا أن نتطرق إلى واقع الهندسة بالمغرب وآفاقها.
فلا يختلف اثنان بخصوص الدور المحوري للمهندس والمهندسة في السياسات العمومية وعندما نتكلم عن الهندسة، نتكلم عن الجانب العلمي والتقني في مجال التنمية والتطور، إنهما العقل المبدع والمنفذ للعمل التنموي ودورهما سيبقى دائما دورا ومطلبا اجتماعيا محوريا لكونه يمثل مركز ثقل الاستراتيجيات التنموية في مختلف الميادين وخاصة في المجالات العمرانية والصناعية والزراعية.
إن الأهمية التاريخية للهندسة تتجلى في كونها القاطرة التي جرت العالم إلى التطور والتحديث وما بعد التحديث.
بالنسبة لنا في المغرب، إبراز أهمية الهندسة بتراكماتها العلمية والتكنولوجية، يجب أن تكون أولوية، نظرا لارتباطها بحاجتنا الماسة إلى تقوية اقتصادنا الوطني وترسيخ العقلانية الثقافية والنجاعة في السياسات العمومية والخاصة، وتبقى هذه الحاجة مرهونة إلى حد بعيد بمدى ارتقاء المهن الهندسية ببلادنا إلى مستوى يمكنها من أن تلعب الأدوار المنوطة بها في مختلف المجالات. الوضع الهندسي القائم ببلادنا يحتاج اليوم إلى إجلاء الغموض عن الصفوة الذهنية المطلوبة، والتي يجب أن تترسخ مجتمعيا بدعم سياسي ونضالي. وبالرغم من إعلان الإرادة السياسية المبكرة لإعطاء الهندسة المكانة التي تستحقها في العمل العمومي، بقيت الوضعية المعنوية والمادية دون مستوى تطلعات المهندسين، بل أكثر من ذلك، بالرغم من المجهودات والنضالات التي بذلت من طرف رجال هذه الهيئة، عاش المهندس في وضعية غموض، حالت دون تمكينه من خدمة وطنه باحترافية ومهنية منذ الاستقلال، إذ لا تزال البلاد تعاني من عدة اختلالات. ولعل من بين الاختلالات التي يتوجب ذكرها في هذا المجال، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ضعف احترام دفتر المعايير والضوابط المتعارف عليها دوليا في مجال التكوين الهندسي، وتطبيق الضوابط البيداغوجية الجديدة المرتبطة بها. تعاني مؤسسات التكوين من نقص كبير في التجهيزات مثل الداخليات والمكتبات والمطاعم وضعف جودة المقررات وضعف التتبع والمراقبة في التداريب وعدم توحيد شروط الولوج إلى الأقسام التحضيرية بين القطاع العام والخاص، عدم توفر الدولة على إحصائيات تتعلق بإدماج المهندسين في سوق الشغل وبمستوى اسهام الخبرة الهندسية في التنمية المستدامة وتقوية الترابط بين الخبرة الهندسية والتكوين والتنمية الترابية ورفع تحديات المنافسة الدولية، ضعف الاهتمام الحكومي بضرورة تمكين المهندس من أن يكون الفاعل الأساسي القوي معرفيا وخبرة في المقاولة والوزارة والبلدية والجماعة القروية، والولاية، والعمالة، والجهة، والجامعة. ومن تفجير طاقاته في دعم وتنظيم الحركة العمرانية والهندسة المعمارية والصناعة التحويلية والصناعات الدقيقة، والإعلاميات، والتواصل الرقمي، وبالجملة، أن يساهم بشكل عام في النموذج التنموي الجديد، أي البنيات التحتية كالطرق السيارة، القناطر، المسالك، الماء الصالح للشرب الكهرباء، السدود والسياحة والفلاحة، وخصوصا في العالم القروي.
إن التحدي الأكبر للمهندسات والمهندسين المغاربة من وجهة نظرنا كاتحاديين هو أولا، الارتقاء بمستوى المردودية الهندسية إلى المستوى المطلوب. ثانيا، تقوية النضال من أجل إنصاف دور الهندسة كما هو مسجل في صفحات التاريخ البشري. وثالثا، الاحتجاج بكل الوسائل لوضع الحكومات أمام مسؤوليتها التاريخية، مسؤولية إعطاء الهندسة المكانة التي تستحقها لدعم مختلف الإصلاحات في البلاد والحاجة إلى الإبداع وتنميته. إن تنظيم مزاولة المهن الهندسية وتقوية فاعليتها ترابيا يتطلب، من وجهة نظرنا كاتحاديين، إعادة الاعتبار لهذه الهيئة، سواء تعلق الأمر بالجانب المادي أو بتوفير الظروف المناسبة لتحقيق الترابط الدائم للمهندس بالمجتمع وإسهامها في التوجيه والتثقيف والتحسيس المجتمعي بأهمية التنمية المستدامة وارتباطها الوثيق بالمشاريع الهندسية وبالسياسات الهادفة إلى تحقيق الاستغلال الأمثل والناجع للإمكانيات الترابية.

(*) الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بميدلت


الكاتب : أشرف حسناوي (*)

  

بتاريخ : 14/06/2023