بادريس..لماذا كسرتَ «كأس حياتي»؟

 

ها قد شربتُ «كأس حياتي» مترعا حد الثمالة، وخبرتُ دروب «مدينة التراب» أعُدّ «الأيام والليالي» في انتظار «يوسف في بطن أمه»، ولم تشخ الحياة بداخلي رغم الـ»حزن في الرأس والقلب» و»الظلال» التي «تمتص لوني»..
وفي يومكم هذا، في شهركم هذا، في عيدكم هذا.. ها أنا أعلن عليكم كل هذا الحب وأطلق روحي للريح التي أنجبتني على عجل قبل أن أكتبها على مهل.
وداعا صحبي، وداعا كل القلوب التي ربتت على قلبي وبكت «دمعتين ووردة».
هكذا في عيد الحب، يختار «بادريس» أن يودعنا وكأني به يقول «ورضيت لكم الحب دينا».
با دريس ابن الهامش، الذائب حد الوجع في سردية الفقراء والمتمردين والصعاليك والسكارى وبائعي «الديطاي» والمومسات، الذاهب بسبابته إلى الجرح النازف من عين الواقع، الخارج من ليل المدينة المتوحش، اختار، منذ اختارته الكتابة، الاصطفاف إلى جانب البسطاء الذين ظل وفيا لهمومهم خارج أي تخندق إيديولوجي ضيق، مؤمنا بأرض الإبداع الواسعة، وهو الوفاء الذي جعله أحد النصوص الأدبية الاستثنائية في القصة القصيرة المغربية والعربية التي بصمت المغرب الثقافي منذ الستينات.
شكل الخوري، إلى جانب الراحلين محمد شكري ومحمد زفزاف، مثلث الإبداع الأدبي المغربي، مع الحفاظ في آرائه وفي كتاباته على استقلاله وتفرده في طرائق اشتغاله القصصي، كما تفرده في الحياة التي عاشها فوضويا جميلا، في لحظات «الإمتاع والمؤانسة».
ولأنه ابن الهامش المغربي، فقد حالت ظروف الأسرة دون استكمال تعليمه بمعهد «الرشاد العلمي» بلارميطاج، ليتوقف مساره الدراسي عند الشهادة الابتدائية. وبعصامية نادرة لا تتوفر الا للكبار من الأدباء، ظل الخوري يقرأ كل الكتب والمجلات التي يجدها قبل أن يبدأ بكتابة الشعر والخواطر التي نشر بعضا منها بمجلية «الأديب» البيروتية، لتأخذه عوالم الصحافة، بدءا ب»العلم» الى «المحرر» فـ»الاتحاد الاشتراكي» دون أن ينسى حِرفته أو حُرقته الأولى :الأدب التي ظل مواظبا على اقترافها حتى وقت قريب.
لم يكن الراحل يضع تصميما للكتابة، تأتيه القصة من فكرة أو حالة أو وجه مميز أو حدث يشغل الناس، لكنه يكتب انطلاقا من تصميم مسبق في الذاكرة، معتبرا أن كل كاتب يقف خلف نصه بصيغة أو بأخرى.
«كاتب سبيسيال» كما كان يقول عن نفسه، ولعل هذه الخصوصية نتاج عراك طويل مع الحياة بتقلباتها، وتأمل ذاتي واع في تبدلات الواقع والأشخاص. تلك التبدلات التي كان يلتقطها بعين القناص التي لا تخطئ الطريدة ليعيدها وقد لُفّتْ بسخرية وسحرية تمكننا من قراءة كف الواقع بوضوح نقدي، لاذع لكنه جميل ومحبب من يد «بادريس».
ولأنه لم يعش طفولته، فقد ظل دوما طفلا في أعين محبيه.. شغبه الجميل، روح الدعابة التي لا تفارقه والتي تحيك وشائج المحبة بينك وبينه منذ أول لقاء ، وكأنك ولي حميم. أبوة غامرة يحيطك بها تترجم كل الشحنة العاطفية التي تحبل بها كلمة «بّا»، الأب الروحي لكل أبناء فعل «كَتَبَ»، وهو في تصريف هذا الفعل، جارح وقاس لا يهادن أو يبغي عوجا، وإن أنت خالفت نواميس الحرفة، فلا تنتظر منه إلا قوله: وتّا سِيييييير».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 16/02/2022