تحديد أصل كورونا المستجد يزداد تعقيدا بعد عام على بدء انتشار الجائحة

من الهلع الذي عم الصين في البداية مرورا بنقص الشفافية لدى بكين وصولا إلى اتهامات دونالد ترامب.. بعد عام على تسجيل أول وفاة بكوفيد-19 في العالم، يسهم تسييس الجائحة في إبعاد احتمال معرفة الحقيقة يوما بشأن نشأة الفيروس.
وبعد وفاة هذا الرجل الذي لا يزال اسمه مجهولا حتى اليوم، سجل ما يقرب من 1,9 مليون وفاة أخرى حول العالم في غضون عام واحد.
وإن بات واضحا أن الوباء ظهر للمرة الأولى نهاية 2019 في سوق هوانان الواسع في ووهان حيث كانت تباع حيوانات برية حية، فلا يمكن الجزم بالضرورة بأن هذا المكان يشكل مهد الفيروس الفتاك.
ويعود ذلك إلى أن الفيروس يحتاج وقتا طويلا ليتحول بدرجة تتيح له التفشي بسرعة، وفق عالم الأوبئة في جامعة جورجتاون في واشنطن دانيال لوسي.
وبالتالي فإن الانتقال السريع للعدوى إثر الإبلاغ عن أولى الإصابات في ديسمبر 2019 يعني أن انتشاره بدأ قبل ذلك بفترة طويلة.
ويشير لوسي إلى أنه “من المستبعد تماما” أن يكون الفيروس نشأ في سوق ووهان، مضيفا “هو ظهر طبيعيا قبل أشهر عدة، ربما قبل سنة أو حتى أكثر”.
لكن مشكلة أساسية تكمن في محاولة السلطات الصينية الترويج لفرضية غير مدع مة بالوثائق عن دخول الوباء إلى الصين من الخارج، مدفوعة بحرصها على التنصل من أي مسؤولية في نشوء الفيروس.
وتقول بكين إن آثارا للفيروس اكتشفت في مياه الصرف الصحي في إيطاليا والبرازيل قبل ظهور المرض في ووهان. غير أن هذه التحاليل لا تثبت شيئا لناحية تحديد أصل الفيروس، وفق خبراء.
وأعلنت السلطات الحجر الصحي في ووهان في 23 كانون الثاني/يناير، ثم في كامل مقاطعة هوباي التي تتبع لها المدينة، ما ألزم أكثر من خمسين مليون نسمة منازلهم.
غير أن بكين لم تدل مذاك بأي تفسير مقنع عن أصل الفيروس مع الاكتفاء بقلة من المعلومات بشأن العينات المسحوبة من ووهان.
أما الخبراء الأجانب فتمنعوا عن اتخاذ مواقف حاسمة في الموضوع. وأعيقت في اللحظات الأخيرة مهمة فريق من منظمة الصحة العالمية كان يفترض وصوله الأسبوع الماضي إلى الصين، بعدما قالت بكين إنها لا تزال “تتفاوض” مع المنظمة بشأن سير المهمة.
يرتدي تحديد أصل الفيروس أهمية كبرى في الوقاية من إعادة ظهور جائحة جديدة، إذ يتيح ذلك توجيه الجهود الوقائية نحو أجناس حيوانية محددة ومنع صيدها أو تربيتها وتفادي التفاعلات مع البشر.
ويقول بيتر داشاك رئيس منظمة “إكوهيلث ألاينس” الأمريكية المتخصصة في الوقاية من الأمراض “إذا ما توصلنا لفهم سبب ظهور (الأوبئة)، سنتمكن من محاربة الوسائط الناقلة لها”.
ولقي دور الصين العلمي البحت إشادة دولية في البداية، بعدما سارعت إلى الإعلان عن مجين الفيروس خلافا للضبابية التي تعاملت بها مع وباء “سارس” (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) في 2002 و2003.
وتقر عالمة الأحياء ديانا بل من جامعة إيست أنغليا البريطانية بأن الصين “أظهرت انفتاحا نسبيا”.
لكن في خضم فوضى ووهان في مطلع 2020، قد تكون آثار فيروسية طمست أو نقلت ما يزيد المعضلة تعقيدا.
ويوضح بيتر داشاك “لا شيء مفاجئ في ذلك. كل جائحة تحصل بالطريقة عينها، وسط الفوضى والهلع”.
على المقلب السياسي، يحاذر نظام الرئيس شي جينبينغ الخوض بالتفصيل في مجريات الأسابيع الأولى من الجائحة، بعد انتقادات طاولته حينها بسبب محاولات كم أفواه الأطباء الذين سعوا للتحذير من خطورة الفيروس منذ ديسمبر 2019.
ومن هؤلاء، اتهمت الشرطة الطبيب لي وينليانغ بـ”الترويج لشائعات”، لكنه توفي جراء كوفيد-19 في السابع من فبراير 2020 داخل مستشفى في ووهان. وأثارت وفاته غضبا عارما ضد النظام الصيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن مع سيطرتها على الجائحة في الربيع الفائت، باتت بكين تطرح نفسها منقذا للإنسانية من خلال عرض لقاحاتها للبلدان الفقيرة بوصفها منتجات “للخير العام العالمي”.
ومن غير الوارد لدى بكين في هذا الإطار التسامح مع الأصوات المنتقدة.
وفي نهاية ديسمبر، حكم القضاء الصيني بالسجن أربع سنوات في حق “مواطنة صحافية” غطت مجريات الإغلاق العام في ووهان.
وأسهم موقف الإدارة الأمريكية في ثني السلطات الصينية عن تشارك معارفها حول الفيروس، بحسب بيتر داشاك الذي يأمل كسرا للجليد بين الجانبين مع مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض في الأيام المقبلة.
وأجج موقف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته التنافر بين البلدين من خلال حديثه عن “فيروس صيني” وتلميحه إلى إمكان أن يكون نتج عن تسرب من مختبر لعلم الفيروسات في ووهان، وهي فرضية استبعدها العلماء.
ويشير الخبراء إلى أن العدوى انتقلت من الخفاش لكنهم لا يزالون يجهلون أيا من الحيوانات الأخرى أدى دور الوسيط لنقل العدوى إلى الإنسان.
ويبدي بيتر داشاك “قناعة بأننا سنحدد في نهاية المطاف نوع الخفافيش التي نقلت الفيروس ومسار العدوى المرجح”، مضيفا “لن يكون لدينا يوما يقين تام لكننا سنحوز بالتأكيد أدلة صلبة”.
غير أن تحديد الجنس الحيواني المسؤول عن نقل العدوى أمر ثانوي برأي ديانا، وهي تقول إن “المصدر قلما يهم ، يجب ببساطة وضع حد لهذا المزيج المشؤوم من الأجناس في الأسواق. يجب وقف الاتجار بالحيوانات البرية المعدة للاستهلاك الغذائي”.

منظمة الصحة
إلى الصين

يصل فريق خبراء من منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع إلى الصين بعد طول انتظار للتحقيق في منشأ وباء كوفيد-19، وفق ما أعلنت بكين الإثنين، وذلك بعد عام من إعلان أول وفاة في البلاد جراء ما كان في ذلك الوقت فيروسا غامضا.
وتعتبر زيارة الخبراء ال10 في غاية الحساسية لبكين الحريصة على عدم تحمل أي مسؤولية عن انتشار الوباء الذي أودى بأكثر من 1,9 مليون شخص عبر العالم، ونجحت الصين في القضاء عليه إلى حد كبير.
وقالت وزارة الصحة في بيان مقتضب إن زيارة فريق الخبراء ستبدأ الخميس، بعد أسبوع من تأجيل الزيارة التي كانت مقررة الأربعاء الماضي.
وفي انتقاد نادر للصين، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس الأسبوع الماضي عن “خيبة الأمل” جراء هذا التأجيل.
لكنه رحب الآن بإعلان بكين، وكتب على تويتر “نتطلع إلى العمل مع نظرائنا (الصينيين) في إطار هذه المهمة الحاسمة لتحديد أصل الفيروس وطريق انتقاله إلى البشر”.
خلال الأشهر الأخيرة، كان رد فعل الحكومة الصينية على طلب إجراء تحقيق مستقل سيئ ا للغاية، وعمدت إلى فرض عقوبات تجارية على أستراليا التي أصرت على ذلك.
ولم تقدم بكين الإثنين أي تفاصيل عن مجريات الزيارة، لكن من المتوقع أن يخضع المحققون للحجر الصحي عند وصولهم إلى الأراضي الصينية. ومن المقرر ان تستمر مهمهتم من خمسة إلى ستة أسابيع.
وتهدف المهمة إلى معرفة كيف انتقل الفيروس من الخفاش إلى البشر. لكن المهلة التي فرضتها الصين للقبول بإجراء تحقيق مستقل يعني أنه سيكون من الصعب العثور على الآثار الأولى للإصابة.
تتكون البعثة من 10 علماء (الدنمارك والمملكة المتحدة وهولندا وأستراليا وروسيا وفيتنام وألمانيا والولايات المتحدة وقطر واليابان) معروفين في مجالات اختصاصاتهم المختلفة.
ومن المقرر أن يتوجهوا إلى ووهان، وهي المدينة الواقعة في وسط الصين والتي كانت أول منطقة فرض فيها الحجر الصحي في العالم في 23 يناير 2020.
وفي هذه المدينة تحديدا، تم الإعلان قبل عام من اليوم، عن أول وفاة جراء فيروس كورونا المستجد، في 11يناير 2020.
وتمكنت السلطات الصينية منذ الربيع من السيطرة إلى حد بعيد على تفشي الفيروس في ووهان كما في بقية البلاد وتبقى الحصيلة الوطنية الرسمية بمستوى 4636 وفاة منذ منتصفمايو.
والاثنين، كان السكان منصرفين إلى اهتماماتهم اليومية الاعتيادية، فيما لزمت وسائل الإعلام الرسمية الصمت حول هذه الذكرى الأولى.
وقال ستيني يدعى كسيونغ ليانشينغ في متنز ه يقصده متقاعدون، بعضهم يضع كمامات، للرقص أو القيام بتمارين رياضية صباحية “ووهان هي الآن المدينة الأكثر أمانا في الصين وحتى في العالم”.
وتابع “السكان مدركون تماما لتدابير الوقاية، حتى حفيدي يضع كمامة حين يخرج، وعمره لا يتعدى السنتين”.
وواجهت الصين انتقادات لطريقة تعاملها مع الوباء في بداية انتشاره، واتهمت الشرطة أطباء في ووهان كشفوا وجود الفيروس، بنشر شائعات.
وحكمت السلطات الشيوعية بالسجن أربع سنوات على المواطنة الصحافية تشانغ شان التي كتبت تقارير عن الحجر الصحي في ووهان.
ولم يعلن اسم أول ضحية معروفة للوباء، كل ما نعرفه أنه رجل في الـ61 من العمر كان يقصد سوق هوانان للتبضع.
وفي الأول من يناير 2020، أغلقت السلطات هذه السوق التي تعتبر أول بؤرة كبرى للوباء وكانت تباع فيها حيوانات برية حية معدة للاستهلاك من المحتمل أن تكون هي التي نقلت الفيروس إلى البشر.
وكانت السوق لا تزال مغلقة الإثنين خلف سور طويل. ولم تسمح الحكومة الصينية للخبراء المستقلين بالتحقيق فيه.
وسجلت في الأيام الأخيرة بؤرة جديدة محدودة للوباء في محافظة هاباي المحيطة ببكين، حيث أعلن الإثنين عن حوالى مئة إصابة خلال الساعات الـ24 الأخيرة، وهو أعلى رقم على الصعيد الوطني منذ يوليو.
ويحظر على 18 مليون شخص في منطقتين شاسعتين الخروج من حدود بلدياتهم. والاثنين، خضع سكان منطقة ريفية تابعة لبكين، يبلغ عددهم نصف مليون نسمة، لإجراء مماثل.

ترخيص أوروبي
للقاح موديرنا

أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية الأربعاء، أنها أعطت الضوء الأخضر لاستخدام لقاح شركة موديرنا الأمريكية المضاد لفيروس كورونا المستجد، وعلى الإثر أعلنت المفوضية الأوروبية الترخيص له، في رسالة نشرتها رئيستها أورسولا فون دير لايين على تويتر.
واللقاح هو الثاني الذي يسمح باستخدامه في الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن هذه الموافقة أن تعطي دفعة لحملات التطعيم في 27 دولة في الاتحاد الأوروبي و جهت إليها انتقادات تتعلق ببطء العملية، مقارنة بالولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو إسرائيل.
وقالت الهيئة الناظمة ومقرها امستردام في بيان إن “وكالة الأدوية الأوروبية أوصت بمنح الترخيص لتسويق مشروط للقاح موديرنا المضاد لكوفيد-19، للحؤول دون إصابة الاشخاص ابتداء من سن 18 عاما بفيروس كورونا 2019”.
وهذا ثاني لقاح يحصل على ترخيص من وكالة الأدوية الأوروبية، بعد السماح باستخدام لقاح فايزر/بايونتيك في دول الاتحاد ال27.
وقالت المديرة التنفيذية لوكالة الأدوية إيمير كوك في بيان إن “هذا اللقاح يوفر لنا أداة أخرى للتغلب على حالة الطوارئ الحالية”.
وأضافت “إنه دليل على جهود والتزام جميع المعنيين بأن يكون لدينا توصية إيجابية ثانية للقاح بعد أقل من عام على إعلان منظمة الصحة العالمية عن الجائحة”.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن الترخيص يمثل “نبأ سارا لجهودنا في توفير مزيد من لقاحات كوفيد-19 إلى الأوروبيين”.
ومارست العواصم الأوروبية ضغوطا على وكالة الأدوية الأوروبية لإعطاء الضوء الأخضر لاستخدام اللقاح الذي انتجته شركة موديرنا الأميركية، فيما يتفشى الوباء في جميع أنحاء أوروبا.
بدأت حملة التطعيم في 27 ديسمبر في الاتحاد الأوروبي ولكن بوتيرة بطيئة. وهولندا هي الأخيرة التي تبدأ حملتها الأربعاء.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الثلاثاء أن قادة التكتل سيعقدون قمة افتراضية حول الأزمة الصحية خلال الشهر الجاري.
وأوضح ميشال أن توفير اللقاحات لنحو 450 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي يشكل “تحديا هائلا “.
لكنه أصر على أنه “إلى جانب الدول الأعضاء، تعمل المفوضية الأوروبية ليل نهار للتأكد من أنه يمكننا زيادة عدد اللقاحات المتاحة” مع “احترام استقلالية وكالة الأدوية”.
وحصل هذا اللقاح في 18 ديسمبر على موافقة طارئة من الإدارة الأمريكية للأغذية والأدوية (إف دي إيه) بعد أسبوع من الموافقة على لقاح فايزر-بايونتيك. وحذت كندا حذو الولايات المتحدة في 23 كانون الأول/ديسمبر.
وأطلقت بريطانيا حملتها بلقاح فايرز/بايونتيك، ولقاح المختبر البريطاني أسترازينيكا الذي طوره بالتعاون مع جامعة أكسفورد.
يتميز لقاح موديرنا بأن تخزينه أسهل إذ يتطلب 20 درجة مئوية تحت الصفر خلافا للقاح فايزر-بايونتيك الذي لا يمكن تخزينه على المدى الطويل إلا بدرجة حرارة متدنية جدا تصل إلى 70 درجة تحت الصفر، ما أجبر المجموعة على تطوير حاويات خاصة لعملية نقله.
وأظهر اللقاحان معدلات فعالية مماثلة، وفقا لمختبراتهما، تبلغ 95 في المئة (فايزر) و94,1 في المئة (موديرنا).
من جهتها، أعلنت شركة “أسترازينيكا” أن فعالية لقاحها تبلغ 70 في المئة لكن يمكن أن تصل إلى 100 في المئة بعد إعطاء الجرعتين.
الأسبوع الماضي، أشارت وكالة الأدوية الأوروبية إلى أن اللقاح الذي طورته شركة أسترازينيكا وجامعة أكسفورد لن يحصل على ترخيص في الاتحاد الأوروبي في يناير.


أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *