حمزة إبراهيمي: أهم حلقة في مسلسل إصلاح الصحة هي التي تخص العنصر البشري

الحكومة مطالبة بتبديد الغموض لا يزال يعتري سبل النهوض به ..

 

دائما ما تقع على الدول مسؤولية ضمان تمتع مواطنيها بالحق في مستوى مناسب من الصحة، وضمان ألا يحرم أي من مواطنيها من التمتع به نتيجة لتصرفاتها هي نفسها، وذلك وفق أنظمة للحماية الاجتماعية والرعاية الصحية من شأنها توفير خدمات الرعاية الصحية الشاملة لمن يحتاجون إليها دون معاناة، وهي الفكرة القاضية بضرورة حصول الجميع بكل مكان على الرعاية الصحية الجيدة والمعقولة التكلفة بوصفها أولوية لا يُستغنى عنها لتحقيق التنمية، وتصبو هاته الفكرة إلى إقامة نظم صحية متينة وقادرة على الصمود والعمل على تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
لقـد خطا المغرب خطوات واسعة فـي إرساء نظم التغطية الصحية الأساسية، بحيـث دخلـت التغطيـة الصحية الإجبارية حيز التنفيذ سنة 2005، كما تم تعميم نظام المساعـدة الطبية أو ما يسمى بـ “الراميد” سنة 2012. بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ مجـموعة مـن الإجراءات فـي مجال تـوسيع الاستفـادة مـن أنظمة التأمين عن المرض، لتشمل طلبة التعليم العالي في القطاعيـن العام والتكوين المهني، والمهاجرين وكذلـك أمهات وآباء الأشخاص المؤمّنين. كما انخرط المغرب، في إجراءات التأمين الإجباري الأساسي عـن المرض الخاص بفئات المهنييـن، والعمال المستقلين، والأشخاص غيـر الأجراء، بهـدف تكميل المشـروع الملكي بتعميم التغطيـة الصحيـة الشـاملـة وتحقيـق الـولـوج العـادل للعـلاجـات. حيث سيمكن تعميم التغطية الصحية الإجبارية بحلول نهاية سنة 2022، الذي يعد من بين أهم مرتكزات ورش الحماية الاجتماعية، 22 مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء.
ومن أبرز التحديات التي أفرزتها جائحة كوفيد الأهمية القصوى لتبني الدول والحكومات لأنشطة وبرامج من شأنها، أولا تعزيز الأمن الصحي وثانيا لتقليل خطر حوادث الصحة العامة الحادة وتأثيرها الذي يعرض الصحة الجماعية للخطر، حيث تتحمل الحكومات مسؤولية حماية الصحة لسكانها وتوفير أنجع أنظمة الحماية الصحية والاجتماعية لهم. كما يروم مفهوم الأمن الصحي الرفع من مستوى الخدمات في مجال الرعاية الصحية عن طريق تأهيلهم القطاع الصحي و العاملين به، وتوفير بيئة آمنة وسليمة من المخاطر وفق أعلى المعايير، وإيجاد أنجع السبت لتطوير الكشف عن الأمراض والوقاية منها والتصدي للأمراض المعدية عبر مراقبة الصحة العامة.
لقد عرفت السياسة الصحية في المغرب فترات مد وجزر وتعاملت الحكومات مع هذا المجال الحيوي في غياب استراتيجة واضحة المعالم وبالتالي فلم تكن لها بهذا الصدد سياسة قارة، إلا أن أهم وأخطر أزمة اجتماعية عرفها تاريخ المغرب جاءت مع تداعيات سياسة التقويم الهيكلي. إن المتفحص للمنظومة الصحية منذ إنشائها في بدايات الاستقلال يلاحظ أن المجالات التي تحقق فيها نوع من التحسن هي البرنامج الوطني للتلقيح وبعض البرامج الوقائية ويعزى ذلك إلى الهيكلة ومجهودات الأطر الصحية والمتابعة المستمرة من طرف المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية. فيما عدا هذه البرامج يعاني المواطن ألم الحصول على علاجات تتسم بمعايير الجودة (القرب والكلفة … والسلامة والكفاءة ).
فأغلب الدراسات المرتبطة بالسياسة الصحية، وكذا تقارير المؤسسات الوطنية والدولية على هذا الصعيد، تبرز أن هناك مجموعة كبيرة من النقائص التي ترتبط بالوضع الصحي لبلادنا، حيث يكشف تطور مسارات الشأن الصحي خلال العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة، أن هناك مظاهر عديدة تعاني منها المنظومة الوطنية للصحة ومنها:
أولا: طابع اللامساواة على المستوى البعد الخدماتي الصحي، إذ يلاحظ في هذا الشأن انعدام مساواة المغاربة على مستوى الخدمات الصحية طبقيا و مجاليا و علاجيا.
ثانيا: غياب سياسة حقيقية تتسم بالنجاعة والكفاية اللازمتين على مستوى تدبير الموارد البشرية، مما ينجم عنه كنتيجة منطقية لذلك التوزيع غير المتوازن لممتهني الصحة عبر تراب المملكة، وتمركز النسبة الأعظم من الموارد البشرية الصحية.
ثالثا: غياب معالم سياسة دوائية ناجعة، كما يتضح هذا الغياب من خلال قراءة متأنية لمجمل التقارير المنجزة على هذا الصعيد، كتقرير مجلس المنافسة والذي جاء ليعري وبصراحة عن بعد آخر من أبعاد اللامساواة في السياسة الصحية ببلادنا، حيث يبرز التقرير الغلاء غير المعقول و غير المبرر لثمن الدواء بالمغرب وذلك بالمقارنة مع بعض الدول وحتى المجاورة.
رابعا: المستوى الهزيل للإنفاق العمومي في مجال الصحة والتغطية الصحية، في ظل غياب آليات تمويلية عمومية أو خاصة، كما يظل هذا الإنفاق غير كاف وغير عادل على المستوى الاجتماعي، مما يبرهن بشكل ملموس عن مدى وحجم النقص الملاحظ سواء فيما يخص التأطير الصحي والعلاجي، أو على مستوى البنيات التحتية الاستشفائية، وبالتالي خلق بيئة سانحة لتشعب الإشكاليات العميقة والمرتبطة بما هو مالي، وما هو بنيوي، وما هو تنظيمي.
خامسا ما يتعلق بالموارد البشرية، يبقى أهم عنصر في فشل الوزارة الوصية على صحة المغاربة بحيث تنقسم أسباب الفشل إلى موضوعية وذاتية. أولا: الأسباب الموضوعية وتهم مجموعة من الحقوق المهضومة للعاملين بقطاع الصحة، غير أن أهم مشاكل قطاع الصحة على الإطلاق هو النقص المهول في الأطر الصحية، ففي بلد يتجاوز عدد سكانه 33 مليون نسمة لا يتجاوز عدد الساهرين على الصحة العمومية فيه 47 ألف موظف، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 46 طبيب لكل 100 ألف نسمة (مقابل 70 في تونس و 300 في فرنسا) 10 ممرضين لكل 10 ألف نسمة. فنظرا لما سبق ذكره أعلاه تصاب بعض الأطر الصحية بنوع من الترهل في الأداء وغموض في الأهداف والرؤى في ظل غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة وتشجيع الرقابة، وفي ظل انعدام الحوافز المادية خاصة في العالم القروي وفي المراكز الصحية. ينضاف إلى المشاكل الذاتية والموضوعية غياب رؤية مبنية على مقاييس علمية من شأنها الرفع من مستوى مردودية الموارد البشرية، من خلال توزيعها بشكل جيد بين الجهات والأقاليم والمستشفيات.
وختاما يجب التأكيد على أن المدخل الأساس لمعالجة مشاكل القطاع وإقرار نظام صحي مغربي آمن يتطلب إرادة سياسية قوية، فاعلة وحقيقية، الكفيلة بتحقيق نهضة صحية للمغاربة. وأن أهم حلقة في مسلسل إصلاح الصحة هي حلقة العنصر البشري، فالذي يُنزل السياسة الصحية التي تنهجها وزارة الصحة على أرض الواقع هو الموظف، الذي هو الوسيط بين الوزارة والمواطن، ولذلك وجب الاهتمام بالعنصر البشري وإيلائه الأهمية والتفكير في حاجياته المادية ومواكبته بالتكوين اللازم والمتطور والمبني على رؤية إستراتيجية وعلمية على أن يشمل كافة الأطر الصحية بكل فئاتها. أمر يظهر على أنه لم تكتمل حلقاته بعد إلى اليوم ولا يزال يكتنفه الكثير من الغموض الذي يتعين على الحكومة تبديده، خاصة في زمن المضي قدما صوب تعميم التغطية الصحية، في انتظار تشريعات وموارد مالية تزرع الاطمئنان وتعطي الأمل في إمكانية تحقيق فعلي لذلك.
مسؤول الإعلام والتواصل بالنقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو بالفيدرالية الديمقراطية للشغل.


الكاتب : الملف من إعداد وحيد مبارك

  

بتاريخ : 13/09/2022