حين أصبح المكان في لمح البصر، هاوية محتملة

عدت إلى تازة بعد ليلة عصيبة في مراكش،  ليلة اختزلت الثواني المُدوية زمنَها، وأصبح المكانُ في لمح البصرهاويةً مُحتملة، لم يكن لي موعدٌ سابق مع الزلزال، ليصبح صوتُ ارتطام الأرض في مراكش هادراً في ذاكرتي.
الرعد يُدوِّي من الأعماق، وصوته تلبَّس بالجدران والأسقف والممرات. لم يسعفنا استيعاب اللحظة من الشعور بتمايل الأرض، دفعنا الصوت المُرعب إلى الخارج، وسابقنا أقدامنا ورؤوسُنا مُنحنية كأننا نصدُّ ما سيرتطم بها من الأعلى، كنت متوجهةً إلى غرفتي في الفندق، ودون أن أدري غيَّرتُ وِجهتي ودخلت المطعم، حين عدت إلى الغرفة  بعد ساعتين من الهزة لأحمل حقيبتي، كان جدارُها مُنشقا والممرات  مُكتظة بالمزهريات المتكسِّرة والأتربة التي تناثرت من الأسقف، لا أدري لو حاصرتنِي الهزة هناك هل كانت ستحملني قدماي إلى الخارج أم كنت سأفقد وِجهتي في الممرات الطويلة والسلالم.. قلبي على الذين أطمرتهم الهزة في الدواوير والقرى والهوامش وأطمرت أحلامهم البسيطة وبيوتهم الطينية وخبزَهم اليابس وصراخ صبيانِهم المدوِّي، يا لهول ما أصابهم !!
طلبتُ من النادل قنينة ماء، لم أشرب الماء ولم أرَ النادل، وجدتُ نفسِي مع الهاربين في ساحة المسبح التي ما زالت ترتجُّ وتتمايل تحت أقدام المفزوعين، أية سرعة أوصلتهم جميعا إلى هناك كأنهم أسراب طيرٍ فزعت مُجتمعة لكن على أرض مُرتجَّة، أما أفق المسبح فتحول إلى غيمةٍ سوداء نسجتها الطيور الحقيقية النائمة على الشجر.
توجَّه الجميع بعد مرور الهزة المُرعِبة إلى خارج الفندق، حمدنا الله على سلامتنا وسلامة موظف الاستقبال الذي تساقط أغلب زليج الجدار خلفه، وأصبح العراء ملاذاً لنا، نتقاسم الهلع، ويُهدئ بعضنا بعضا، ونتواصى بعدم الاقتراب من الفندق خوفا من هزة ارتدادية، كأننا أفراد عائلة كبيرة. لم يكن هذا ليخطر ببال أحد منا حين حجز إقاماته.  هكذا تُعيدُ الكارثة الإنسان إلى ضآلة حجمه، وإلى علاقته المُرتبكة بالزمان والمكان، وتكشف هول المسؤولية تجاه من يُقيمون في مناطق الصَّمت والنسيان..


الكاتب : صباح الدبي

  

بتاريخ : 14/09/2023