دبلجة الدراما المغربية إلى اللهجة السورية

 

إدريس الروخ: ما يهم الآن هو أن تخرج الأعمال الدرامية المغربية خارج الحدود، والدبلجة ليست سوى وسيلة

 ستتوفر لنا الفرصة للدفاع عن حقوقنا وفرض لهجتنا، التي هي الأصل، عندما تنتشر أعمالنا في العالم العربي

 

أثار عرض المسلسل المغربي الدرامي «بنات العساس» مدبلجا إلى اللهجة السورية على قناة الشارقة الإماراتية، ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارض لفكرة دبلجة مسلسلات مغربية إلى لهجات عربية أخرى، ولم يستوعب عدد من المغاربة كيف أن ممثلة كدنيا بوتازوت، مثلا، تظهر على قناة خليجية وقد دبلج صوتها بلسان سوري، وهم الذين اعتادوا لهجتها المغربية ومفرداتها المتميزة وجملها التي توظفها في أداء أدوار المرأة المغربية ذات الشخصية القوية، والتي لا يكتمل تقمصها لشخصيات أدوارها إلا بحوارات تستعمل فيها كلمات تمتح من اللهجة البدوية المغربية، أو جملا اختار رواد التواصل الاجتماعي أن يجعلوا منها «طرولات» شعبية مضحكة يتشاركونها في ما بينهم، مما جعل هذه الممثلة ذات الموهبة الفنية الفذة تنال بجدارة احترام المغاربة وتأسر قلوبهم، واعتبر عدد منهم أن دبلجة الحوار إلى لهجة غير اللهجة المغربية سينقص من درجة تقمصها ونبرة صوتها التي تتميز بها، والتي بها يكتمل المشهد الدرامي، فيما اعتبر آخرون أن ترجمة أعمال مغربية إلى لهجات أخرى يكرس بشكل كبير مقولة إن الدارجة المغربية صعبة على المشارقة، مؤكدين أن على هؤلاء بذل جهد لفهمها كما يفهم المغاربة كل اللهجات العربية، وأنه من العيب أن تترجم لهجة عربية إلى لهجة عربية أخرى، بينما رأى آخرون أنه كان من اللازم ترك المسلسل كما هو ووضع ترجمة أسفل الشاشة مما سيساهم في فهم اللهجة المغربية بشكل أفضل وفي انتشارها وسط شعوب الدول العربية، كما ذهب مغاربة كثيرون إلى أبعد من ذلك إذ شعروا، حسب ما جاء في تدويناتهم، أن ترجمة الدراما المغربية إلى لهجة عربية أخرى انتقاص من قيمة اللهجة المغربية وإهانة للمغاربة المفتخرين بهويتهم، متسائلين عن دور المسؤولين في هذه الخطوة وقال أحدهم «أنا كمواطن مغربي غيور على بلدي وعلى تاريخه وثقافته وتقاليده وعاداته وأعرافه أرفض رفضا مطلقا أن تكون مسلسلاتنا مدبلجة بلهجات عربية، لو دبلجت إلى لغات غربية سنتفهم الأمر أما أن تدبلح للسورية أو غيرها، فهذا شيء لا يمكن تقبله، ولا يمكن تقبل أن يحطوا من قيمة لهجتنا ويبدلوها بلهجة عربية أخرى، فبهذه الطريقة لن يتعود العرب على لهجتنا كما تعود الخليجيون على لهجات الشاميين والمصريين وقد فرضت عليهم منذ سنوات خلت، فالمسألة مسألة وقت فقط» .
تدوينات المعارضين تواصلت على مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين دبلجة المسلسلات المغربية إلى لهجات العربية تدميرا وتضييعا للثقافة المغربية التي هي جزء من الثقافة العربية وترجمتها إلى لهجة أخرى هو عدم اعتراف بهذه اللهجة وانتقاص منها، وبالتالي انتقاص من المغاربة الذين طالما اعتبرهم بعض المشارقة عجما ولغتهم بعيدة كل البعد عن اللغة العربية علما أنها أقرب إلى العربية من لهجات عديدة أخرى.
في المقابل لقيت خطوة الترجمة أو الدبلجة تأييدا كبيرا لدى فئة أخرى من المتتبعين المغاربة الذين رأوا فيها خطوة ناجحة استحقتها الدراما المغربية، التي بصمت، في السنوات الأخيرة، على مشوار متميز جعلها تقترب، بشكل كبير، مما يبحث عنه المشاهد المغربي، محترمة ذوقه وميولاته، فأصبح يفضلها على دراما عربية كانت إلى وقت قريب تجتاح البيوت المغربية خصوصا الدراما المصرية والسورية ومؤخرا التركية، لقد كان المشاهد المغربي من أشد المتتبعين لمسلسلاتها ومن الباحثين عن جديدها غير أن أدوات اشتغال المخرجين المغاربة على المسلسلات المغربية والحبكة الدرامية التي تشد المشاهد من الحلقة الأولى إلى الأخيرة، جذب إليها الجمهور المغربي الذي أصبح يفضلها على الإنتاجات الدرامية العربية ،وما مسلسلات مثل «بنات العساس» أو «المكتوب» أو «رضا الوالدة» أو «كاينة ظروف» وغيرها كثير إلا خير دليل على ذلك، وترجمتها إلى اللهجة السورية أو أي لهجة أخرى سيساهم في انتشارها والتعريف بها في العالم العربي المعتاد على الدراما السورية والتركية والمصرية، حسب المؤيدين لهذه الخطوة التي ستجعل للدراما المغربية موطئ قدم وسط المسلسلات العربية التي يتتبعها المشاهد وفرصة فتح آفاق جديدة من خلالها سيتعرف المشاهد العربي على المغرب وسيسعى للبحث عن ما يميز ثقافته وتقاليده وتراثه مثل ما حدث إثر مونديال قطر.
مسلسل «بنات العساس» الذي حقق إبان عرضه في رمضان 2021 على شاشة التلفزة المغربية نسب مشاهدة مرتفعة، لم تمر خطوة دبلجته للسورية دون أن يحتفي بها مخرجه إدريس الروخ حيث قال في تدوينة له على الانستغرام «المسلسل المغربي بنات العساس لأول مرة في قناة خليجية.. الدراما المغربية تحلق عاليا»، وفي تصريح للجريدة حول الموضوع قال «من المهم أن يخرج المنتوج المغربي خارج الحدود ويصبح مادة مهمة جدا للمشاهدة من طرف الجمهور العربي خصوصا، في القنوات الأخرى، لقد كنا نحن كمغاربة مستهلكين للأعمال التلفزية الدرامية العربية وغير العربية وبلهجات وبترجمات مختلفة، وقد كان هذاعائقا بالنسبة لنا لم يحفز العمل الدرامي المغربي على الخروج خارج الحدود، ولكن الآن أصبحنا نتوفر على أعمال درامية تلفزيونية ذات جودة، أصبحت لديها القدرة على أن تكون مادة يشاهدها الجمهور العربي خصوصا في المشرق والخليج، وفي هذا السياق العام تم اختيار» بنات العساس»، وتمت دبلجته إلى اللهجة السورية، وبالنسبة لي هي مسألة ذات شقين: الشق الأول أن الدبلجة تتيح الفرصة للمخرج وللمنتج وللممثل وللتقني وأيضا للكاتب كي يصبح لهم اسم خارج أرض الوطن، وبالتالي تصبح أسماؤهم خصوصا الممثلين والفنانين معروفة في الوطن العربي، كما أنه من الجيد أن يتعرف الجمهور العربي على ديكوراتنا ومناظرنا وأعمالنا وتقاليدنا وثقافتنا، ثانيا أن العمل التلفزيوني المغربي سيصبح مطلوبا للاستهلاك والفرجة خارج الحدود، بطبيعة الحال هذه المسألة ستأخذ بعض الوقت لكنها ستمكننا مستقبلا من أن نقدم أعمالنا بلهجتنا لأنها هي الأصل، وهذا أهم شيء».
بالنسبة لإدريس الروخ، الأولوية أن» يخرج المنتوج المغربي خارج الحدود، وبعد ذلك عندما تتراكم الأعمال وتعرف بشكل جيد في التلفزيونات العربية حينئذ سنتوفر على القوة الفاعلة التي ستمكننا من تقديم وفرض أعمالنا بلهجتنا المغربية، ولكن كبداية أنا أحبذ أن يخرج هذا المنتوج المغربي بشكل أو بآخر كي يقدم خارج الحدود.»
وردا على المعارضين لفكرة دبلجة اللهجة المغربية إلى لهجات عربية أخرى، قال «إن التفكير بهذه الطريقة السلبية سيفرض علينا المكوث في أماكننا، فنحن في سوق عربية كبيرة جدا فيها أعمال تلفزيونية كثيرة جدا، وبالتالي نحن الآن ندخل في منافسة، وهي منافسة فنية وإبداعية، والمنتوج المغربي قادر على هذه المنافسة لأن الأعمال الدرامية المغربية أصبحت ترقى على مستوى الطرح، على مستوى المواضيع، على مستوى التشخيص، على مستوى الديكور، وعلى مستوى التقنيات إلى غيرذلك، نحن قادرون على المنافسة، وما يمكن فعله مستقبلا هو أن نحافظ على هدا المستوى ونتطور أكثر فأكثر، كي نخلق فعلا أعمالا درامية تلفزيونية تصبح بكثرتها وبطريقة تناولها للمواضيع أكثر تنافسية، وهذا هو النجاح في نظري».
واعتبر المخرج المغربي، الذي يشتغل حاليا على فيلم تلفزي سيعرض على القناة الثانية بعنوان «جيهان»» ويدور حول الكرة النسائية، أن دبلجة الأعمال المغربية ومنها مسلسل «بنات العساس» الذي لن يكون له جزء ثان حسب ما صرح به للجريدة، إلى لهجات أخرى، «تشكل حافزا لنا، والدليل أن أعمالنا أصبحت مطلوبة الآن، وهناك أعمال أخرى في طريقها إلى الدبلجة مثل مسلسل كاينة ظروف .. وغيرها «.
وفي إطار النجاحات التي أصبحت تعرفها الإنتاجات المغربية قال الروخ إن عمله السينمائي» جرادة مالحة» يعرض الآن في منصات عالمية في أمريكا وكندا، وهو يشاهد هناك، كما أن مسلسل «»بنات العساس» الآن تم تنقيطه من طرف موقع imdb) )، بنقطة 8/10 ، وهو موقع عالمي لاختيار وتنقيط الأعمال الفنية، وهو تنقيط مهم جدا يعطي الانطباع أنك تنافس في أعمال كبيرة جدا، إذن علينا أن نكون إيجابيين، وأن نتقبل هدا الطرح في خروج المنتوج الإبداعي المغربي خارج الحدود مما سيسهم في أن تصبح لدينا صورة أو بطاقة للفنان المغربي الممثل أو المخرج أو الكاتب ، هناك الكثير أمامنا لنعمله، وما يهم هو البداية والانطلاقة بعد ذلك ستتوفر لنا الفرصة للدفاع عن حقوقنا، فهل تغيير اللهجة سيغير في طبيعة الأشياء بشكل جذري؟ لا أظن . ستنقص بعض الأشياء، ربما، ولكن ستنضاف مشاهدات وستنضاف متعة أن جمهورا آخر من دول أخرى يتابعونه ويعرفون أنه منتوج مغربي مئة بالمئة. كما حدث ويحدث مع إنتاجات عالمية أمريكية ترجمت إلى الفرنسية مثلا أو الروسية إلى غير دلك، فالدبلجة ليست سوى وسيلة للتواصل وليس وسيلة تقضي على المتعة الإبداعية أو المتعة الفنية.. «.
رغم ما عرفته خطوة دبلجة المسلسلات المغربية إلى اللهجة السورية من تباين في المواقف والآراء إلا أنها تبقى صفحة جديدة تفتح في تاريخ الدراما المغربية التي عانت لوقت طويل جدا من المنافسة القوية للإنتاجات العربية في عقر دارها، فقد كانت المسلسلات المصرية والسورية تجذب إليها أنظار المشاهدين المغاربة، وطالما قورنت الإنتاجات الوطنية بنظيرتها العربية من طرف المغاربة أنفسهم، وكانت دائما تخرج خاسرة بسبب ما كان يشوبها من نقص سواء على مستوى المعالجة أو التصوير أو الحبكة الدرامية، ولكن مع القفزة الكبيرة التي عرفتها مؤخرا ربما ستتاح لها فرصة الأخذ بثأرها ومنافسة باقي الإنتاجات العربية والانتشار هناك في المشرق والخليج، ولو كانت الوسيلة دبلجتها إلى لهجاتهم، ألا يقال إن الغاية تبرر الوسيلة؟


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 27/05/2023