رواية «الزّمنِ المُوحش» لِحيدر حيدر

عتباتُ النّص: التقديم والملاحق

 

التقــديـم:

إنّ اجتياز القارئِ لعتبة النص العليا (العنوان) نحو العتبة الثانية، حيث «التقديم» يجهز على ذلك الاستلذاذ ويزيدُ من توثّب القارئ، ويأخذ بتلابيب وعيه، وانتظاره، « فقد تتحول المقدمة ]التقديم[، إلى نوع من الميتالغة (métalangage) للنص المقدم له تختزله وتكثفه، دون أن يعني ذلك، أن قراءتها قد تغني عن قراءة المتن، بل إن قراءة المتن تصير مشروطة، بقراءة المقدمة «.
ولا شك أن تمتّع الخطاب الروائي، بخاصية التعدّد اللغوي، كما يرى باختين (Bakhtine) هذا الخطاب الذي ينتظم في نسق أسلوبي، منسجم – يسعى إلى ترجمة الوضعية الاجتماعية والإيديولوجية للكاتب داخل التعدد اللّغوي لعصره، كان من أبرز تجلياتها، أن قدم بعض الروائيين أعمالهم بجنس الشعر، فقدم إدوارد الخراط لروايته : «يا بنات اسكندرية» «ببيتين» من العامية المصرية، وقدم كذلك عبد القادر الشّاوي لروايته «كان وأخواتها « بنص شعريّ ، كما قدم محمد زفزاف لروايته «المرأة والوردة « بأسطر شعرية».
رواية «الزمن الموحش» مُقدم لها بأسطر من قصيدة مُعنونة ب»مراسيم دفن»، ومُذيّلة بإمضاء «شاعر من إفريقيا» – ولعلّ عنوان النص الشعري «مراسيم دفن»، هو صلة وصل بين العتبة الأولى للرواية (العنوان)، وفنائها (المتن)، فلأن الزمنَ موحشٌ، فلابد له من مراسيم دفنٍ «لأنّه يقهر الزوايا الحادة ويغلف الجراح «(ص5).
تكررت لفظة «الزمن» ثمانَ عشْرة مرةً، ضمن الأسطر الشعرية البالغ عددها ستة وثلاثون سطرا شعريا، وهذا تكثيفٌ لمقولة الزمن الذي يرفضه «صاحبه»، زمن القلقِ والدموع «الزمن العاري والقاتل، زمن تيه العربي، ولأن الزمن يشفي كل تلك الجراح، فهو يريد أن يعيد إليه الكمال لذلك « ينتظرُ مجيءَ العصور».(ص6)

المــلاحــق:

ذُيّلت الرواية بملاحق ثلاثة: منْ مراثي إِرَمْيا- للحزنِ وقتٌ وللرعد وقتٌ- منْ مذكرات منى، عندما نربط هذه الملاحق بالتقديم، نجد أن التقديم هو محاولة تشخيص لزمن انتهى «زمن الدموع والقلق، زمن المشي خلال النوم «(ص6)، ويريد الشاعر إعادة تشكيله وتجاوزه، « فإنني أرغب في تشييد دعامة للزمن «(ص6)، وفي الملاحق الثّلاثة، إعلان نهاية ذلك الزمن، وهو ما سعى الكاتب إلى تقديمه».
تأتي نهاية الرواية مُعلنة، نهاية الزمن وانهيار البيت الطّيني(ص310)، فتُعلن المراثي مواراةَ هذا الزمن قبرَه، فيعمُّ الحزن بعد الفرح، ويغمر الضبابُ المرافئ، وتتنامى الفوضى، لتقول «مُنى» كلمتها وتبوح بكل شيء. بعد الهزيمة الآتية من الموت وذلّ الاندحار (هزيمة 67)، وتتواصل المسيرة في سيرها البطيء عاجزة مشوهة، مُعلنة ولادةَ الإنسان العربيّ الكسيح. «طفلا عليل الجسد، عليل النفس» (ص335).

مراجع:

– عبد الرزاق بلال -مدخل إلى عتبات النص- ص52 .
2- نفسه ص 46
3 -نفسه ص 46/.74.
– سعيد يقطين, أنفتاح النص الروائي’ النص و السياق المركز الثقافي العربي الطبعة الثانية 2001 ص69.


الكاتب : عبد الحكيم برنوص

  

بتاريخ : 07/02/2023