في اليوم الدراسي حول «الإعلام الوطني والمجتمع»: يونس مجاهد: نحترم مسؤوليتنا الأخلاقية والمهنية من أجل انطلاقة جديدة للصحافة والإعلام

نظم مجلس النواب، أول أمس الأربعاء، لقاء دراسيا حول موضوع «الإعلام الوطني والمجتمع: تحديات ورهانات المستقبل». ويندرج هذا اللقاء في إطار تعميق النقاش حول مستقبل الإعلام، بالنظر إلى ما يشهده القطاع في ظل الطفرة الرقمية، وظهور أنماط أخرى للتواصل.
وأبرز المتدخلون خلال هذا اللقاء الذي حضره رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، ورؤساء الفرق النيابية بالمجلس، أن الإعلام الوطني شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية، وساهم في تعزيز البناء الديمقراطي، مؤكدين على ضرورة القيام بمراجعة النموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية، عبر تشجيع الاستثمار في هذا القطاع.
وبعدما أشاروا إلى بعض الإكراهات التي يشهدها القطاع، شددوا على ضرورة وضع تصور جديد لطريقة اشتغال المؤسسات الإعلامية، لاسيما في ظل التحولات التي يعرفها القطاع خصوصا مع بروز الصحافة الإلكترونية ووسائل الاتصاال الحديثة مما يتطلب مقاربة جديدة تجعل القطاع قادرا على مواكبة هذه التحولات. واستحضر المشاركون في هذا اللقاء، الذي حضره أيضا وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد وممثلو القطاع وعدد من الفاعلين في الحقل الإعلامي والأكاديمي، توصيات الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع الذي تم تنظيمه سنة 2010 ، والتي ركزت على ضرورة القيام بإصلاحات في مجال المقاولة الصحفية ومحيطها الاقتصادي والصناعي والتسويقي.
وبخصوص القانون الأساسي للصحفيين المهنيين، اعتبر عدد من المشاركين أن هذا القانون في حاجة إلى إعادة قراءة وملاءمة، بالنظر إلى التطورات الجديدة التي يعرفها المشهد الإعلامي، داعين، في نفس الوقت إلى التعامل مع الإعلام كخدمة عمومية، واقتراح حلول عملية لتجاوز العوائق التي يعرفها القطاع.
وخلصوا إلى ضرورة توسيع مجال وقاعدة التكوين في مجال الإعلام، وتشجيع التكوين المستمر، مشددين كذلك على أهمية الاهتمام بالبحث العلمي الإعلامي ودعم مؤسساته.

 

نظم مجلس النواب ، لقاءا دراسيا حول الإعلام الوطني والمجتمع تحت شعار: «الإعلام الوطني والمجتمع : تحديات ورهانات المستقبل» بحضور العديد من الفاعلين الإعلاميين والسياسيين والخبراء.
وفي كلمة له، قدم يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة حصيلة أولية حول المجلس الوطني بعد مرور أربع سنوات على تنصيبه، حيث واجه المجلس، يقول يونس مجاهد، مجموعة من الإكراهات والتحديات في ممارسة اختصاصاته المحددة في القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، من بينها تأخر صدور النظام الداخلي للمجلس ، الذي يتضمن مجموعة من المقتضيات المتعلقة بممارسة اختصاصاته خاصة ما يتعلق منها بمجال أخلاقيات مهنة الصحافة وممارسة مهمة الوساطة والتحكيم، فقد تم تنصيب المجلس الوطني للصحافة يوم 05 أكتوبر 2018، في حين أن النظام الداخلي لم يصدر إلا يوم 25 ماي 2019، أي بعد مرور أزيد من سنة وسبعة أشهر، هذا التأخر جعل المجلس مكبلا لا يمارس اختصاصاته بالشكل الذي يتناسب مع مقتضيات القانون المحدث له، فإذا كان القانون ينص مثلا على تلقي الشكايات المتعلقة بخرق الصحافيين المهنيين والمؤسسات الناشرة للصحف لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 يوليوز 2019، فإن نفس القانون لم يسمح للمجلس بالبت في الشكايات إلا وفق المسطرة المنصوص عنها في النظام الداخلي للمجلس.
كما وقف المجلس عند عدم وضوح النص القانوني في ما يخص شروط الحصول على بطاقة الصحافة المهنية، لاسيما شرط الشهادة أو الدبلوم بالنسبة لطالب بطاقة الصحافة لأول مرة، إلى جانب صعوبة ضبط الوثائق المتعلقة بجذاذات المداخيل في ظل غياب معايير واضحة من الإدارات المختصةـ إضافة إلى عدم التزام مجموعة من المقاولات الصحافية بالتصريح بالصحافيين الأجراء لديها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل منتظم، وكذا عدم احترام الحد الأدنى للأجور في مجال الصحافة وفق ما تنص عنه الاتفاقية الجماعية.
ورغم كل هذه الإكراهات، فقد عمل المجلس على ضبط أكثر دقة للولوج للمهنة، من خلال اعتماد الصرامة في احترام الشروط القانونية، ووضع حدا أدنى للأجر، كما كان التنسيق مع إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للتأكد من سلامة الوضع القانوني، لطالب البطاقة، بالإضافة إلى تطوير تبادل المعطيات بخصوص الدبلومات، مع الوزارات والإدارات المختصة.
وأضاف مجاهد أن المشرع أوكل للمجلس النظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحافية والصحافيين المهنيين الذين أخلوا بواجباتهم المهنية وميثاق أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي للمجلس والأنظمة الأخرى التي يضعها، وخلال الممارسة العملية، سجل المجلس على مستوى مسطرة التأديب الخاصة بالقضايا المرتبطة بأخلاقيات مهنة الصحافة مجموعة من الإشكاليات التي يمكن إبرازها في إشكالية التبليغ في ما يتعلق بدعوته للاطلاع على الملف أو الاستدعاء لحضور جلسات الاستماع أمام اللجنة المختصة، مما يؤثر على مبدأ الحق في الدفاع وكذلك طول المسطرة التأديبية؛ وإشكالية طول المسطرة مما يجعل الأمر لا يتطابق مع خصوصيات المجال الإعلامي الذي يتطلب السرعة؛ وعدم التنصيص على مقتضيات تتعلق بالتدخل الاستعجالي للمجلس في القضايا التي تمس المجتمع وتقتضي تدخلا استعجاليا؛ وتعتري المنظومة القانونية الحالية في مجال التأديب مجموعة من الإشكالات على مستوى العقوبات من جهة التي تعترضها صعوبات لتنفيذها على أرض الواقع؛ وعدم تحديد آجالات الطعن أمام لجنة الطعون في القرارات الصادرة عن لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية.
وأضاف مجاهد أن مجموعة من الإكراهات القانونية واجهت لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، للبت في الشكايات التي توصلت بها، وهو ما حال دون القيام بعملها، ومن بينها أساسا غياب النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة الذي بم ينشر بالجريدة الرسمية إلا في بتاريخ 25 ماي 2020 والذي صادف مرحلة الحجر الصحي التي عرفتها بلادنا جراء انتشار فيروس كورونا. وهو ما يفسر صدور القرارات المتعلقة بالشكايات المتوصل بها في سنة 2020 خلال سنة 2021 نظرا لطول المسطرة المعمول بها وكذا للظروف المشار إليها سابقا.
أما بخصوص سنة 2021 فقد أصدرت لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية ما مجموعه 47 قرارا في الشكايات الواردة عليها. وتتعلق هذه القرارات بالشكايات الواردة على المجلس خلال سنتي 2020 و2021. كما اتخذت لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية إلى حدود نهاية نونبر 2022 ما مجموعه 29 قرارا.
إن التجربة العملية بخصوص ممارسة المجلس لاختصاصاته في مجال التحكيم في القضايا التي تهم المهنيين في قطاع الصحافة والنشر، أثبتت، يقول رئيس المجلس الوطني للصحافة، وجود تضارب بين النصوص القانونية المكونة لمدونة الصحافة والنشر، مما أدى إلى رفض طلبات تذييل مجموعة من الأحكام التحكيمية أمام المحاكم المختصة حيث تنص المادة 22 القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين في فقرتها الثانية على أنه « إذا زادت مدة الأقدمية في المؤسسة الصحافية على خمس سنوات، يتعين على الطرفين اللجوء إلى مسطرة التحكيم التي يشرف عليها المجلس الوطني للصحافة بناء على طلب أحدهما لتحديد التعويض المستحق» وكذلك المادة 25 من القانون التي تنص على أنه «يتعين اللجوء إلى مسطرة التحكيم التي يشرف عليها المجلس الوطني للصحافة لحل الخلافات التي تنشأ عن تأويل أو تطبيق مقتضيات القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه أو اتفاقية الشغل الجماعية أو عقد الشغل الجماعية أو عقد الشغل قبل رفع الأمر إلى المحاكم المختصة».وبالتالي فهذه المادتين تقران على اللجوء الأطراف الخاضعة للمجلس الوطني للصحافة للجنة الوساطة والتحكيم قبل اللجوء إلى المحاكم المختصة قصد استكمال الإجراءات القضائية، في حين المادة 24 من القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة على أنه «تهدف مسطرة التحكيم في مفهوم هذا القانون إلى تسوية خلاف مهني قائم بين الأطراف الخاضعة لاختصاصات المجلس، من خلال إصدار قرار يتقيد به الطرفان لزوما بناء على طلب أحدهما، ووفقا لاتفاق التحكيم والذي يصبح قابلا للتنفيذ وفقا للأحكام القانونية الجاري بها العمل. وهنا تطرح إشكالية إلزامية اتفاق التحكيم حيث أن الأحكام القضائية متضاربة في هذا الموضوع حيث أيدت مجموعة من الأحكام التحكيمية مع الإقرار بإلزامية اللجوء ولو بعدم وجود اتفاق التحكيم، وأحكام رفضت تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية بعلة عدم الإدلاء باتفاق التحكيم أثناء وضع طلب التذييل.
وختم رئيس المجلس الوطني للصحافة تدخله بأن بلادنا تتوفر اليوم على هيأة للتنظيم الذاتي، تمكنت من اجتياز تجربة التأسيس بنجاح، رغم ما سجلناه من إكراهات رافقت هذه التجربة، خاصة على المستوى القانوني، سواء في ممارسة صلاحياته أو في الإشكالات التي طرحت حول مستقبله، مؤكدا أن هاجس أعضاء المجلس كان هو «احترام مسؤوليتنا الأخلاقية والمهنية، وأن نكون أوفياء لروح الحوار الوطني «الإعلام والمجتمع»، الذي، رغم مرور عشر سنوات على إنتهاء أشغاله، مازالت توصياته ودروسه صالحة لتشكل أساس انطلاقة جديدة للصحافة والإعلام في بلادنا».

جيل جديد من الإصلاحات الجوهرية لتأهيل المشهد الإعلامي والتواصلي

من جهته شدد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب في اليوم الدراسي حول «الحوار الوطني للإعلام والمجتمع» على أن هذا الحوار جاء نتيجة لمبادرة مجموعة من الفرق النيابية، وكانت غايته الأساسية إنضاج النقاش بخصوص أدوار وسائل الإعلام في المجتمع المغربي، كما يأتي يقول رئيس الفريق بمناسبة عشر سنوات على تنظيم الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع،  و29 سنة على أول وآخر مناظرة وطنية للإعلام والتواصل، والتي أعتقد أننا بحاجة لمناظرة ثانية من أجل إخراج المشهد الإعلامي من عنق الزجاجة.
وسجل شهيد أن الحوار تم بمشاركة جميع مكونات المجتمع المغربي إلى جانب الفاعلين السياسيين والبرلمانيين، وجميع المتدخلين والمعنيين بمجال الإعلام، من خلال سلسلة من الندوات (21) والأيام الدراسية (15)، والدراسات (7)، ومذكرات تقدمت بها قطاعات حكومية، وأحزاب سياسية، وهيئات مجتمعية،وأفضى إلى بلورة رؤية جماعية تضمنها «الكتاب الأبيض» كتقرير شامل عن واقع الممارسة الإعلامية في المغرب وعن مبادرات إصلاحها.
وشدد رئيس الفريق على أن المداخل الإصلاحية للإعلام الوطني هي احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملات والعاملين في مهن الإعلام والاتصال، وتوفير الحماية لهم أثناء أو بسبب أدائهم لمهامهم، وتأهيل قطاع الإعلام وتقوية بعده المهني، سواء الإعلام العمومي والإعلام الخاص، حتى يتمكن من منافسة الإعلام الأجنبي الذي للأسف يسجل نسب مشاهدة أكثر من الإعلام الوطني. وتكريس حرية التعبير والصحافة، ورفض متابعة الصحافيين بسبب ما ينشرونه على أساس القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، وتأهيل أوضاع المقاولات الإعلامية، مع ربط الدعم العمومي بدفتر تحملات ينص بوضوح على احترام مكتسبات العاملات والعاملين، وعلى إعادة استثمار الأرباح في الميدان الصحفي، وخلق فرص شغل، لامتصاص بطالة خريجي معاهد الاتصال العمومية والخاصة.و تحيين الأطر القانونية المرجعية المنظمة للمهنة، ونقصد أساسا القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، وقانون الصحافي المهني، ومدونة الصحافة والنشر. والتعامل بصرامة مع خرق ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، والتكوين المستمر للصحافيين في هذا المجال.
ولفت شهيد الى أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سجل استمرار تكريس تصور محافظ للإعلام في بلادنا لا ينسجم مع التحولات القيمية التي يعرفها المجتمع، خصوصا في أوساط الشباب والنساء، وغياب سياسة عمومية ناجعة في معالجة القضايا الراهنة سواء على مستوى اشتغال المنظومة الإعلامية العمومية التي عجزت عن منافسة الإعلام الأجنبي من جهة، ومن جهة أخرى فشلت في استقطاب الجمهور المحلي، أو على مستوى تشجيع الاستثمارات في المجال، بحيث مازالت أغلب المقاولات الصحافية الخاصة تشتغل برقم معاملات ضعيف، لا يؤهلها للاحترافية ومسايرة النطورات التكنولوجية والرقمية، وضعف الإجراءات المتخذة لتنظيم مهنة الصحافة، بحيث إن المدة القصيرة نسبيا لاشتغال المجلس الوطني للصحافة أبانت عن ثغرات تقيد تطوره ليكون في مستوى تحمل مسؤولية التنظيم الذاتي للمهنة، كما أن تحرير المشهد السمعي البصري لا يزال يراوح مكانه، ومن مؤشرات ذلك غياب أي توطين لقنوات فضائية محلية. وهشاشة الأوضاع المادية والاجتماعية لأغلب العاملين بقطاع الصحافة المكتوبة الورقية والرقمية والاذاعات الخاصة والصحافيين الفيريلانس ، مما يمس حتى بالقيمة الاعتبارية للمهنة، وهو ما يقتضي تحصين حقوق كل العاملات والعاملين، وذلك على الأقل باحترام بنود الاتفاقية الجماعية التي لم يتم تحيينها منذ 17 سنة ضدا على بنودها.
وختم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بتقديم مقترح الحزب المتعلق ببلورة تصور شامل يقر جيلا جديدا من الإصلاحات الجوهرية لتأهيل المشهد الإعلامي والتواصلي من خلال تكريس القواعد القانونية وأخلاقيات المهنة وتعزيز دور الصحافة في دعم البناء الديمقراطي والتنمية المجتمعية. والانطلاق من تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للصحافيات والصحافيين، وكافة العاملات والعمال في مهن الإعلام والصحافة، وبالتالي وجوب تجديد الاتفاقية الجماعية داخل قطاعي الصحافة المكتوبة الورقية والرقمية والاذاعات الخاصة ، ووضع إطار مرجعي ينتظم عمل الصحافي الفريلانس، وتحديث الانظمة الأساسية لعمل الصحافيين والصحافيات في الشركة العامة للاذاعة والتلفزيون وأيضا في وكالة المغرب العربي للأنباء مع التأكيد على دور الدولة بوصفه دورا أساسيا في إقرار فضاء إعلامي حر يضمن التعددية السياسية والتنوع الثقافي وحرية التعبير، وبلورة إطار قانوني كفيل بترسيخ هذا التوجه يكون مسايرا للمستجدات الراهنة، وكون صادرا عن مناظرة ثانية للإعلام والتواصل.
كما أشار شهيد الى ضرورة تحيين المدونة التشريعية الحالية التي لها علاقة بالصحافة، سواء القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، أو مدونة الصحافة والنشر، أو قانون الصحافي المهني، بما يضمن حماية للصحافة والصحافيين، وتوسيع فضاءات التعبير الحر والمسؤول والمواطن، وإقرار منظومة تشريعية تضمن فعليا الحق في الولوج إلى المعلومة بتكريس الضمانات اللازمة ورفع القيود المفروضة بما يمكن الصحافي من الوصول إلى المعلومات المرغوب فيها في ظل الاحترام التام للمقتضيات القانونية. واتخاذ الإجراءات الضرورية لتمكين المجتمع من ولوج عالم المعرفة والتواصل بما يضمن التفاعل مع التطورات المعرفية، وتملك تقنيات التواصل الحديثة من أجل الرفع من الكفاءات التواصلية والإعلامية وتأهيل الموارد البشرية، وتحسين الوضعية القانونية والإدارية للمؤسسات الإعلامية العمومية وتحسين حكامتها التدبيرية والمالية، بما يتماشى مع روح المقتضيات الدستورية والتحول الديمقراطي الوطني، والتفعيل الأمثل للمبدأ الدستوري المتمثل في ربط المسؤولية بالمحاسبة في كافة الأجهزة المسيرة، بالاضافة الى مراجعة المنظومة المتعلقة بالتواصل السمعي البصري لتشجيع المبادرات الاستثمارية وتطوير الفعل الإعلامي، وذلك وفق تصور عصري يستجيب للمعايير الدولية في المجال ويراعي الضوابط المهنية وأخلاقيات المهنة. مع ربط الدعم العمومي بدفتر تحملات يفرض احترام حقوق العاملين والعاملات، وخلق فرص شغل، والاستثمار في القطاع.وتحسين الإطار القانوني المنظم للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، خاصة ما يتعلق بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري لتقوية أدواره وتمكينه من الموارد البشرية والمالية اللازمة وتحسين جودة الخدمات وإعداد وتنفيذ مخطط لتقوية التنظيم المهني الذاتي في مجال الصحافة، بتوسيع اختصاصات المجلس الوطني للصحافة، وإحداث فروع جهوية له تماشيا مع روح الجهوية المتقدمة،

الاهتمام بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية للصحافيات والصحافيين

من جهته قال عبد لله البقالي رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية في أشغال اليوم الدراسي: «إن مضي عشر سنوات على تنظيم الحوار الوطني حول الإعلام و المجتمع ، يعتبر كافيا لمساءلة المنجز، الذي في نظرنا لم يكن في مستوى روح ولا مضمون التوصيات التي أسفر عنها هذا الحوار، ويمكن لنا أن نعدد بعض المؤشرات، سواء على المستوى القانوني، أو على مستوى أداء الإعلام العمومي المخيب لانتظارات المغاربة، أو على مستوى قدرة الإعلام الوطني بأصنافه المختلفة على إقناع المواطن المغربي بالإحجام على الإقدام على هجرة قهرية نحو وسائط التواصل الاجتماعي أو القنوات الأجنبية لمتابعة شؤونه المحلية، وللتداول في قضايا شؤونه العامة».
وأضاف البقالي أن من بين توصيات الحوار الوطني التي تجاوزت في مجموعها المائة توصية ، تحيين النصوص التشريعية، لكي تكون أكثر انسجاما مع المرجعيات الحقوقية الكونية التي تعطي الأولوية في مجال الإعلام، إلى حرية الرأي والتعبير، و إلى حق المواطنين في المعلومة، وإلى الأخذ بعين الاعتبار بحسن نية الصحافي أثناء المنازعات القضائية المرتبطة بالنشر، وهو المطلب الذي للأسف «مازلنا إلى حدود اللحظة نطالب به بجعل قضايا الصحافة والنشر لا تخضع محاكماتها سوى إلى مدونة الصحافة والنشر، وأنه ليس معقولا أن يتم تكييف قضايا متشابهة بقانونين مختلفين، إذ تقرر نيابات عامة ومحاكم التكييف على أساس القانوني الجنائي، وأخرى على أساس مدونة الصحافة والنشر، مما يجرد مكتسب عدم متابعة الصحافيين بسبب عملهم بقوانين سالبة للحرية من أهميته».
وشدد البقالي على ضرورة تحيين القوانين المنظمة للمهنة، وعلى رأسها مدونة الصحافة والنشر، وقانون الصحفي المهني، مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهي مقترحات تهدف إلى توسيع فضاءات حرية التعبير والصحافة والنشر، وإلى احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسائر العاملات والعاملين في هذا القطاع، وبما يساعد على تجويد الخدمة الإعلامية الموجهة للمجتمع.و تعديل القانون بمثابة النظام الاساسي للصحافي المهني والقانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة بما يضمن تعريفا دقيقا للصحافي المهني و للمقاولة الصحافية، وإضفاء القوة القانونية اللازمة للمجلس الوطني للصحافة، خصوصا في ما يتعلق بالقرارات التأديبية الصادرة عنه وبصلاحيات التحكيم الممنوحة إليه ، وفيما يخص أيضا العدالة التمثيلية ، وإعطائه الصفة الاعتبارية القوية على غرار باقي مؤسسات الحكامة.
وتوقف البقالي عند الأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية للصحافيات والصحافيين، ولعل من مداخل ذلك تجويد النصوص القانونية المرتبطة بالحماية الاجتماعية ليتم التنصيص بوضوح على أنها تشمل كل العاملين في قطاع الإعلام، مشددا على ضرورة ربط الاستفادة من الدعم المالي العمومي بتطبيق الاتفاقية الجماعية الخاصة بالصحافيين والتي قدمت النقابة مشروعا متكاملا بشأنها إلى الحكومة وإلى التنظيمات المهنية للناشرين، في انتظار الإقدام على خطوات فعلية لتفعيلها، مشيرا في هذا الصدد إلى أن فتح الحوار مع الجمعية الوطنية للإعلام و الناشرين بصددها والذي قطع أشواطا مهمة، مؤكدا على أن التفكير يجب أن يشمل، الى جانب العاملين في المقاولات الإعلامية الخاصة والمؤسسات الإعلامية العمومية ، كذلك للصحافيين الفريلانس، والذين يعيشون فضلا عن وضع الهشاشة، صعوبات مرتبطة بمجال عملهم ، إذ يحرم عديد منهم من تغطية فعاليات رسمية أو أحداث رياضية وفنية، أو ولوج مؤسسات بغرض أداء مهامهم الصحافية ، فضلا عن مشاكل أخرى.
البقالي لفت أيضا الى ضرورة تنظيم الإعلام العمومي، ووضع استراتيجية واضحة لإنقاذه، من أجل أن يكون مؤهلا للتنافسية على المستوى الدولي، وأن يستعيد ثقة المواطن المغربي، وهذا يقتضي كذلك تحيين كل النصوص القانونية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإعلام العمومي، والانتباه أكثر إلى تحصين هذا المرفق بشروط الكفاءة، والمردودية، وربط المسؤولية عليها بتحقيق نتائج محددة في دفتر تحملات قبلي خاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ووكالة المغرب العربي للأنباء في أفق تسريع فتح نقاش جاد ومسؤول مع التنظيمات المهنية في هذا الصدد، وإصلاح منظومة الدعم العمومي للمقاولات الإعلامية الخاصة، وربطه هو كذلك بدفتر تحملات واضح ينص على احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة العاملين، وإحداث فرص شغل، والتكوين المستمر، والنجاعة الاستثمارية في القطاع،وحماية الصحافيات والصحافيين أثناء أدائهم لعملهم أو بسببه، وسواء في مقرات العمل، أو في أماكن التغطية الصحفية، أو في مواجهة أي اعتداءات أو تهديدات قد تطالهم بسبب عملهم، وأن تكون هناك قوانين صارمة لحماية الصحافيات والصحافيين بمعنى أن يتأسس الإصلاح على جميع المداخل، من تعديل القوانين واعتماد الاتفاقية الجماعية وإخراج مؤسسة الأعمال الاجتماعية الى حيز الوجود .

إرساء نظام يشجع إنشاء مقاولات قوية تحترم حقوق العاملين

من جهته، نوه إدريس شحتان رئيس الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين بتنظيم هذا اللقاء الدراسي، الذي يأتي في سياق تقييم ومراجعة وضعية الصحافة وأوضاع الصحافيين، بمناسبة مرور عشر سنوات على تقديم خلاصات وتوصيات الحوار الوطني «الإعلام والمجتمع»، الذي شكل محطة تاريخية في مسار الصحافة المغربية، ووضع أسسا صلبة لبناء صناعة وطنية في الإعلام.
وقال شحتان : « إننا في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، ننتظر من هذا اللقاء، المنظم، من طرف مجلس النواب الموقر، أن ينير لنا جميعا الطريق، في وضع طبعته مع توالي الأزمات، التي أصابت مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والإجتماعية، ومن ضمنها الصحافة المغربية»، مشيدا بالدور الذي لعبته الدولة في إنقاذ الصحافة، خاصة أثناء أزمة الحجر الصحي، والمشروع الجديد لتقدم الصحافة، عن طريق خطط وبرامج استثمارية، تتجاوز الأسلوب التقليدي للدعم، الذي ينبغي أن يصبح من الماضي لنتوجه نحو المستقبل.
إن توصيات الحوار الوطني «الإعلام والمجتمع»، المنظم سنة 2010، يضيف شحتان، ركزت على خلاصات تهم إصلاحات في مجال المقاولة الصحافية، ومحيطها الاقتصادي والصناعي والتسويقي، على الصعيدين الوطني والجهوي، والولوج للمهنة والتنظيم الذاتي، وقطاع التكوين، ومحاور أخرى تهم حرية الصحافة والنشر والتكنولوجيات الحديثة… كما تبنت مشروع مجلس وطني للصحافة، تقترح عضويته من طرف الهيآت الأكثر تمثيلية للمهنيين، بالإضافة إلى توصيات أخرى، لكن الإصلاحات التي تم اعتمادها ظلت قاصرة عن تحقيق الطموح الذي خلص إليه الحوار الوطني، بتوافق بين المهنيين ومنها أن القانون الحالي يعاني من ضعف التاطير القانوني لنظام المعايير الخاصة بإنشاء المقاولات، حيث يمكن لأي كان أن يخلق مقاولة على الورق، دون الخضوع لدفتر تحملات إداري ومالي وضريبي وبشري ولوجيستيكي، مما يستدعي وضع قواعد للشركة المستثمرة في الصحافة، وإرساء نظام لتشجيع إنشاء مقاولات قوية، قادرة على احترام حقوق العاملين، وعلى تقديم منتوج جيد.
كما أن النظام الحالي لمقاولات الصحافة، يسمح بخلق منشأة صحافية من شخص واحد، سواء كشركة محدودة أو مقاول ذاتي، في غياب أي تحملات على مستوى الموارد المالية المخصصة لهذه المقاولة، والمقر، واللوجيستيك، ناهيك عن غياب إدارة وموارد بشرية، وغيرها من مقومات المنشأة الصحافية لهذا نطالب بإلغاء نظام الملاءمة. هذا الوضع، يؤكد شحتان، كرس اعتماد النموذج السابق لدعم الصحافة، وهو ما سجله تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حول تقييم الدعم المقدم للصحافة المكتوبة بالخصوص و الذي سجل أنه دعم كان موسوما بالضبابية، وعدم اعتماد معايير موضوعية، مما يتطلب، حسب رأينا، إعادة النظر في طريقة منح الدعم، ليصبح مرتبطا، أولا، بمشروع استثماري، يتماشى والمشروع الكبير للدولة ، التي تريد مقاولة إعلامية تنافسية قوية مواطنة تتجاوز الحدود وتدافع على القضايا الوطنية الكبرى وتؤثر في المتلقي العربي والجهوي والإفريقي ولم لا العالمي، كما ا قترح شحتان على المقاولات الصغرى التكتل لتشكل قطبا قويا ومساعدة المقاولات المتوسطة لتصبح أكثر قوة وتنافسية وثانيا، بالتركيز على الموارد البشرية المنتجة والكفؤة وتأهيلها، حيث تعتبر العمود الفقري لأي مشروع ناجح، ووضع آليات مراقبة تنفيذ هذه الالتزامات.
أما بالنسبة للقانون الأساسي للصحافيين المهنيين، فلاحظ شحتان أنه يتسم بعدم الدقة في الصياغة القانونية لشروط منح بطاقة الصحافة، سواء بالنسبة لصنف الصحافيين أو التقنيين، أو الصحافيين الأحرار والشرفيين، مما كان له أثر سلبي على مستوى تحصين المهنة، الأمر الذي يتطلب الشروع في إصلاحات ضرورية، لإرساء قواعد أكثر وضوحا للولوج للمهنة، على كل المستويات المهنية والأكاديمية والضريبية… وهو ما يمكن الإصلاح، من أن يضع السكة على الطريق، ومعالجة الإختلالات التي سُجِلت، والتي حَادَت عن روح الإصلاح الدستوري، في المحور المتعلق بالتنظيم الذاتي، الذي أٌقره دستور 2011، في الفصل 28، والذي أقر بموجبه، تحويل صلاحيات إدارية وقضائية إلى هيأة للمهنيين، كرسها القانون، في المجلس الوطني للصحافة.
شحتان توقف أيضا عند التجربة الأولى للمجلس، والتي وإن تمكنت من إرساء قواعد التأسيس، فإنها عانت من مشاكل لوجيستيكية وقانونية، حيث أن المجلس الحالي، لم يتمكن من إيجاد مقر إلا بعد تسعة أشهر من تنصيبه، ولم تتم المصادقة على قانونه الداخلي، إلا عند منتصف ولايته، ناهيك عن ظروف الحجر الصحي، وكذا مسلسل استقطاب الأطر والموظفين وتكوينهم وتدريبهم، على عمل هذه المؤسسة، وهو ما يدعو الى إنجاز الإصلاحات الضرورية، التي ينبغي أن تشمل العديد من النقاط، ابتداء من تيسير مسطرة النظر في التجاوزات التي تحصل في مجال الأخلاقيات، مرورا بالتناقضات بين القانون المحدث للمجلس وقوانين أخرى، ذات الصلة بالقطاع، وانتهاء بشروط العضوية.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 23/12/2022