في نقد المركز قراءة في رواية «حين يزهر اللوز» لمحمد أبو العلا

 

تحفل رواية «حين يزهر اللوز « (1) بخطاب حافل بنقد المؤسسة الرسمية والحقيقة المتداولة والشرعية المدعاة، انطلاقا من تبئير الهامش : إنسانا وبيئة ومجالا في خطاب الرواية ككل. الهامش هنا في الرواية دليل يكشف زيف الادعاءات والمزاعم المترسخة حول المركز من خلال آليات وإجراءات مختلفة عكسها بصورة لافتة خطاب السارد، فكيف ذلك ؟

بما أن الرواية بناء جمالي وتخييلي يؤسس مرجعيته الفنية في ذاته (2)، فلا يمكن أن نبحث عما يطابق تلك المرجعية خارج النص إلا باستنطاق وتأويل الملفوظات السردية التي تكشف عن ذلك الواقع المقصود، سواء كان واقعا سياسيا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم دينيا … إن واقع شخصيات نص «حين يزهر اللوز» : الجبلي ، العالية، المينور، السهلي، الرحل، إدريس ، الفقيه…يتأثر بنظامين أساسيين:
– نظام الطبيعة : من خلال ثيمة الجبل أو المنطقة الجبلية وما تمثله من معان تفيد الحصار أو العنف أو العزلة، حيث تتعذر الحياة بتنوع مظاهر تلك الموانع مثل: الثلج، المطر، غياب المسالك أو وعورتها، عتاقة الوسائل …
– نظام السلطة : تتمثل السلطة في الدولة ورموزها ومؤسساتها التي تتحالف هنا في الرواية مع الطبيعة في تحقيق العزلة وتعقيد الحياة وجعلها في النهاية عسيرة، صعبة، وبالتالي تعميق مأساة هذا الهامش .
القارئ للرواية، بغض النظر عن الحكاية التي انتظمت حولها، يقف كثيرا عند مقاطع سردية تصف هذا الوضع المأساوي أو الفجائعي الذي تحياه الشخصيات ( إدريس ـ السهلي – العالية – الجبلي ..) بسبب النظامين معا، حيث تكبر المأساة وتتفاقم الفجيعة بسبب قسوة الطبيعة «الجبل» وتتفاقم بسبب حيف وظلم السلطة. فعوض أن تتدخل السلطة للتخفيف من آثار قسوة الحياة وضنكها، وتذلل الصعوبات المتفاقمة، تعمل على مضاعفة هرمونات الفجيعة فتجعلها مرضا عضالا، و تبدو الحياة داخل فضاء الجبل عزلة وتعذيبا . أمام هذا الوضع المأساوي، لا يملك الإنسان إلا أن يقاوم الطبيعة من جهة والسلطة / المركز من جهة ثانية .
مقاومة الطبيعة :

تمارس الطبيعة تأثيرها على الإنسان والحيوان والنبات، فأحيانا تذلل له ظروف العيش وتيسر له أمر الحياة، وأحايين كثيرة تجعلها صعبة ومهددة بالفناء والموت والدمار، فالصحراء غير البطحاء، والجبل غير السهل، والريف غير المدينة، والبحر غير الب، و ما يملك الإنسان إلا أن يتآلف مع متغيرات الطبيعة ويبدع في وسائل تيسر له ظروف العيش …وعندما ننظر في ثنايا خطاب الرواية، نجد أن الطبيعة حاضرة ومؤثرة من خلال الجبل المثخن بمتخيله الرمزي المحيل على الصلابة والقوة والمجد والشرف والصعوبة، ناهيك عما يوحي به من معاني ميثولوجية وقرآنية (3). حضور الجبل في الرواية بإحالته على الهامش – لا يبعد أو يقصي هذه الدلالات – في النظام السياسي للدولة المغربية الحديثة وعلى قسوة الطبيعة أو صعوبة الحياة في هذا الهامش، وثالثا باعتباره رمزا للموارد الأولية ولا سيما المعادن والخشب والماء والتي كانت سببا في اغتناء طبقة اجتماعية عبر التاريخ. لنتأمل ما ورد على لسان السارد:
« على امتداد التاريخ والجغرافيا ، صنعت المناجم الحدث، من عمق الأرض انكتب سفر تاريخ سفلي دونته سواعد أنهكها جشع من يمتص من أعلى دم أسافل لبناء مجد زائف من عرق جبل عوام ، زايدة ، بولنوار، أحولي….» (ص 28 -38).
هكذا كان الجبل موردا للثراء وسبيلا للاغتناء عند طبقة اجتماعية، استغلت سواعد الفقراء واعتمدت عمق الأرض (باطن الجبل) لتحتل قمة المجتمع. لقد كانت الجبال فضاءات هامشية اقترنت بثورات وانتفاضات واحتجاجات ضد حيف الاستعمار في تاريخ المقاومة الوطنية و ضد حيف وجشع هذه الطبقة الغنية استغلالا واحتيالا، إنها نسخة ثانية للاستعمار الذي نهب خيرات الوطن .
«إلى أن عرفت اليوم بأني ورحال ضحية عدو واحد، هو هذا المنتصب أمامي كبهلوان «الجبل» هو الجبل وما حمل على كاهله من ثلج خاسف بقدر ما أسعد العين نغص القلب ….» (ص 140)، الجبل هنا علامة مزدوجة الدلالة، من جهة يوحي بقسوة الطبيعة، ومن جهة ثانية يرمز إلى ما يمتع ويسعد. والضحية هنا هو الكائن الإنساني « الجبلي « لهشاشته وضعفه.
نقد المركز :

لمفهوم المركز تمثلات وتحديدات مختلفة، بدءا من المعنى الذي يفيد التمكن والاستئثار بالقوة والقدرة على التأثير في الآخر نحو سلوك اجتماعي أو ديني … وانتهاء بدلالات سياقية متنوعة تجعله يقترن بالسلطة. وتأخذ السلطة أبعادا ثلاثة:
– القدرة على الإكراه حيث تعني السلطة هنا القوة المادية .
– السلطة تعني القانون حيث هناك خلفية قانونية أو مرجعية قانونية دستورية تؤطر السلطة.
– السلطة تعني الشرعية والمشروعية حيث تبحث السلطة من خلال مجموعة من الآليات عن القنوات التي تمنحها الشرعية وتبرر لها الفعل .
هذه الأبعاد والدلالات للسلطة تحضر في الرواية من خلال تبئير السلطة حول المركز الذي يحيل على الدولة من خلال مجموعة من المؤسسات التي تحرس حدود حدودها وتحمي حماها وتهيب بقدسيتها وتحذر من تسول له نفسه تجاوزها أو انتقادها أو انتهاك حرمتها مهما كانت درجة ذلك. والقارئ للرواية يقف عند كثير من المقاطع السردية التي وردت على لسان السارد، بعض الشخصيات تنتقد المركز، سواء في قراراته أو برامجه أو سياساته. ذلك المركز كان سببا غير مباشر في مأساة مجتمع الرواية و صناعة فجائعها.
أ – نقد السياسة التنموية:

اتبعت السلطة / المركز سياسة تنموية جهوية من خلال مجموعة من البرامج والقرارات التي تسعى من خلالها إلى تحقيق تنمية عبر الجهات، وذلك على مستويات معلومة مثل الصحة والتعليم و الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئة ….في أفق خلق تنمية شاملة. لكن ثبت بالملموس فشل هذه السياسة، جاء على لسان السارد: « لتتهافت كل شعارات التنمية الجهوية وحقوق الإنسان …» (ًص 12)
يحيل التهافت إلى تساقط وفشل برامج التنمية الجهوية على أكثر من مستوى، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية . فرغم جسارة هذه السياسة ورغبتها الطموحة في تحقيق تنمية شاملة وخلق عدالة اجتماعية ومجالية، من خلال الاستجابة للحاجيات الأساسية للجهات وخاصة تلك التي تمثل المغرب العميق في اصطلاح الثقافة الكولونيالية، ويتأكد هذا الأمر مع قول السارد :
« أخطأوا تعييني بوسطاجيا في بلدة نكرة من بلدات مغرب عميق ….» (ص 22).
هكذا يأتي الهامش على لسان السارد في صفتين: بلدة نكرة ومغرب عميق. فالنكرة خلاف المعرفة والإنكار خلاف الاعتراف، وكأن هذا الهامش نكرة غير معروف لدى المركز وغير معترف به، وليس الامر على مستوى الاعتراف الإداري، بل على مستوى التمكين والاستثمار والتنمية.
و»مغرب عميق»: فإذا كان الإنكار يفيد التهميش والتجاهل، فالعمق يوحي بالخطر والموت و الظلام.. وهكذا يعكس هذا الملفوظ السردي مفارقة تميز الوطن وتهدد الوحدة والانسجام :
مغرب ظاهر علني يمثل الواجهة أي المركز، حيث الإدارة والاستثمار وفرص الشغل والخدمات الصحية والتعليمية والتجارية والصناعية ….ومغرب عميق منسي ببلداته النكرات المجهولات المهمشات والمهملات ….وحكم التهميش لا يقتصر على البلدة كفضاء فارغ، بل يطول ما تحتويه هذه البلدات من إنسان وبيئة و حيوان ….
هذا المغرب العميق غير محدد المعالم والذي يميزه التخلف والجفاف والهشاشة الاجتماعية، كما أن طبيعة العمل الذي يمارسه السارد باعتباره بوسطاجيا (موظف بالبريد) وخصوصية تلك الوكالة على مستوى التجهيزات تكشف عن تخلف هذا النوع من الخدمات، ناهيك عن خدمات أخرى مثل التعليم والترفيه والطرق والصحة باعتبارها أهم الحاجيات عند إنسان الجبل رمز للمغرب العميق، للهامش المنسي، لمشاريع التنمية المجهضة، لهشاشة الإنسان هنا .

ب- نقد الرواية الرسمية للمقاومة الوطنية :

إذا كان حاضر هذه المناطق نصيبه الإهمال والتهميش والنسيان والتجاهل، فإن ماضيها هو تاريخ المقاومة الوطنية ومحاربة المستعمر، وهذا ما تؤكده الرواية التاريخية الرسمية. وهنا كان الجبل مجد وشرف المقاومة الوطنية، لكن هذا المعنى طاله التهميش والنسيان، أو أصبح يذكر حين الحاجة إليه لترميم صرح المقاومة وتجميل خطابها في مناسبات معلومة يحتفي بها المركز تجنبا لأي نقد أو تجريح أو تشهير مجاني، جاء على لسان السارد :
« وإن كان ما فاه به الرجل لا يخالف البتة ما تشهد به وثائق تاريخ مغبون خذله مكر الجغرافيا و تواطؤ أعيان مع جهات نافذة لكسر شوكة وارثي التمرد بالقهر و الإخضاع ….» (ص 33).
يحمل هذا الملفوظ بين طياته روايتين لتاريخ المغرب وتاريخ المقاومة الوطنية ، حيث هناك رواية رسمية معترف بها من طرف السلطة المركزية ولها شرعية التمثيل والاستشهاد بها في المحافل الوطنية والدولية . وهناك رواية غير رسمية، غير مدونة، رواية الهامش والمنسي الذي كان على عهد الاستعمار معقل الثوار والمتمردين واستمر هذا التمثل بعد الاستقلال لوجود جهات نافذة تعتقد أن الجبل موطن الثوار والخارجين عن شرعية المركز / السلطة، الشاقين عصا الطاعة دون أن نغفل مكر الجغرافيا كما جاء على لسان السارد .
لهذا لجأت السلطة إلى سياسات وتدابير تحقق التهميش والعزل للجبل (المغرب العميق) وتحصر التنمية بالمركز فقط وتطوق أي حركة احتجاجية ضد السلطة بالقوة العسكرية وتسجن الثوار وتعتقلهم. وما روته العالية زوجة جبيلو يؤكد هذا البعد الإقصائي في حق هذا الهامش من الوطن :
« لم تتوقف العالية عن نفض ما علا الصورة من غبار مثلما علا تاريخ الأطلس الشامخ نموذج الحو ومن سار على دربه ممن واراهم النسيان. تذكرت أنا المنحدر من سهول تادلا وتاريخها المطمور الحاضن لحركات المكاحل مهبولة في صور الغزاة عبر ما روته النيرية أو امباركة البيهيشية وهي تصدح حاكية بعيوط جنائزية ما وثقته العالية بالصور لملحمة السهل والدير التي لم يدونها سفر تاريخ جاحد أعمى ….» (ص 34).
يحفل هذا المقطع السردي بكثير من الدلالات التي تكشف عما تعرض له المغرب العميق من تهميش وإقصاء، عبر بلاغة النسيان: نفض الغبار عن صورة والد العالية الحو المقاوم الذي يشهد له التاريخ بمدى شجاعته وبسالته في مقاومة المستعمر . فصورة هذا المقاوم وجب أن تكون متربعة في متحف المقاومة لا أن تكون معلقة على جدار يعلوها الغبار.
واراهم النسيان : نسبة الفعل وارى إلى غير فاعله ( النسيان ) تعميق لفعل التهميش والإقصاء . فالناسي الإنسان هو الذي يواري موتاه أو قتلاه . والمقتول هنا هو نضال رجالات الأطلس ومقاومتهم للمستعمر .
التاريخ المطمور: من حق التاريخ أن يعلن ويحتفى به استشهادا واعتبارا لا أن يطمر وكأنه عار أو لعنة وجب التخلص منهما والبراءة من تبعاتهما التي ستلحق الأجيال القادمة .
سفر تاريخ جاحد أعمى : في هذا التعبير أكثر من إدانة للمركز الذي اعترف برواية وتاريخ مدون مركزيا وخادم لمصلحة جهات نافذة . الجحود إنكار للحق مع العلم به، أي عدم الاعتراف بتاريخ المقاومة في الأطلس ورجالاتها، أو أنها لم تستحق الاعتراف الوافي المستوفي .
تاريخ المقاومة في المغرب العميق مدون في خطاب الثقافة الشعبية مثل الأغاني (العيوط) والمرويات الشفوية والأزجال. وهذا الانتقاء من طرف السارد لبلاغة النسيان يستشف منها المطالبة بإعادة كتابة تاريخ المقاومة الوطنية باعتماد نظرة شمولية لا تقصي أحدا، وتعترف بحق كل من ناضل وقاوم لا أن تحتفي بمن تنكر وخان . فالوطن للجميع وليست هناك تراتبية أو طبقية في الانتماء والانتساب . خطاب السارد يوحي بضرورة تحقيق عدالة تاريخية موازاة بالعدالة الاجتماعية والمجالية .
ج- نقد البرجوازية المغربية :

مصطلح برجوازية يشير إلى تلك الطبقة الاجتماعية المتمكنة من وسائل الإنتاج والرأسمال واستغلالها لطبقة اجتماعية كادحة، دون منحها حقوقها المادية والمعنوية. كما أنها الطبقة الأكثر قدرة على التأثير في السياسة والسلطة والإدارة. وقد كان هذا المكون الاجتماعي من موضوعات نقد السارد في الرواية :
«على امتداد التاريخ و الجغرافيا صنعت المناجم الحدث من عمق الأرض انكتب سفر تاريخ سفلي دونته سواعد أنهكها جشع من يمتص من أعلى دم أسافل لبناء مجد زائف من عرق جبل عوام زايدة بولنوار أحولي ..» (ص 28 -38).
تشبه هذه الطبقة في خطاب السارد مصاصي الدماء أو الحشرات التي تقتات على دم الإنسان. سواعد العمال صنعت مجد هذه الطبقة عن طريق الاستغلال والجشع والظلم، وفي غياب تام للقانون الذي يحمي العمال ويحفظ حقوقهم . والأسافل الواردة في الملفوظ ، هي في نظر الطبقة المغتناة تحمل دلالتين :
– العمال في المناجم داخل أعماق الجبال وفي بطون الأرض، تستخرج معادن نفيسة .
– أحط الناس وأراذلهم داخل أعماق المجتمع، ومن هم أقل حظوة في الحياة .
لقد كانت هذه الطبقة سببا في معاناة عمال يعملون في باطن الأرض داخل المناجم، اغتنت تلك الطبقة من تجارتها العالمية ومن أثمنة المعادن الغالية، في حين لم يجن هؤلاء «الأسافل» من العمال غير الأمراض المزمنة والهشاشة الاجتماعية « مرض السيليكوز «. وفق هذا التصور، احتلت البرجوازية رمزية الأعلى بينما العمال وذووهم كان الاسفل نصيبهم رغم إقامتهم أعلى الجبل. هذه الطبقة حليفة السلطة والنظام وحريصة على حماية مصالحها ومجدها ومكانتها الاجتماعية باستغلال السلطة والنفوذ والمال.

د- نقد عنف السلطة :

رغم رمزية الجبل للأعلى والأشرف، للحماية والحصانة والمنع، إلا أنه مثال ونموذج للهامش والأسفل والأرذل في تاريخ الوطن. لايزال الجبل يعاني تهميشا مضاعفا وكأن قدره كذلك. وإذا كان في الماضي حصنا للثوار والمقاومين للاستعما، الذي وإن تمكن من كسر شوكة المقاومة في السهل ومناطق أخرى من المغرب، فإن مقاومة الجبل صعبت عليه واستصعبت وفشل مرارا في ذلك .
وهكذا استمرت صورة الجبل مقترنة بالتمرد والثورة وشق عصا الطاعة حتى بعد الاستقلال، مما جعل المركز يتعامل بحذر شديد مع أهل الجبل واعتبرهم وارثي الثورة والعصيان بالفطرة، وكان أن مارست السلطة تدابير لحصار أهل الجبل كلما اتقدت شرارة احتجاج أو تمرد :
« ما ترشح في قاع الذاكرة من زمن رصاصي عصيب قوبل فيه تغول المخزن بشراسة تنظيم يساري بائد….» (ص 49)،
هكذا ، جاء تعبير السارد «تغول المخزن» بليغا وبلاغيا، ناعتا الحالة التي أصبح عليها المخزن / السلطة حين ينبعث تمرد أو احتجاج هنا في الجبل أو هناك في السهل. وتاريخيا كان الجبل / الهامش منطلقا لتنظيمات يسارية قوية . وقد تنوعت استعارات السارد في نقد السلطة ونقد عنفها ضد ثوار الجبل :
«هكذا هي السلطة عند هدنة الحرب لا بد من كسح الألغام « (ص 50) أي إزالة كل ما يمكن أن يكون سببا في تدمير بعض رموز السلطة إما بالاعتقال أو الترهيب أو الإغراء أو المساومة ….وهناك استعارة تشي بقوة السلطة وحضورها من خلال آلياتها أو أدواتها : المقدم، الخليفة، الدرك الملكي ….
هذا الحضور يؤكد مشهدية السلطة أو كما جاء على لسان السارد: ربيع السلطة: « لم يحل الربيع بعد، بل حل المخزن بإنزال تشي بطلائعه الألوان الزاهية لأجهزة إنذار سيارات …. إيذانا بفصل قطاف رؤوس قد يكون اجبيلو أولها …» (ص 74).
هنا تحضر قولة الحجاج بن يوسف الثقفي بثقلها الايحائي على العنف والشطط في استعمال السلطة رغم جمالية التعبير المجازي.
« خيم على خيمة العزاء حزن شديد وقلق بائن من هول الآتي ، بعد الذي تداوله المعزون من أخبار وشائعات حول الوجهة التي سيق إليها ثوار الجبل …عن رحيل أحيوض وعن سعار المخزن « (ص 84).
هكذا هي السلطة في جبروتها وبطشها، تظهر في خطاب السارد خصما عنيدا وحيوانا شرسا ضد ما تعتقده ثورة أو تمردا أو عصيانا لها في الجبل أو السهل ، صادرا عن شخص فرد أو مجموعة / قبيلة .
إن وحدات : الإنزال – القطاف – السعار تشي عن مدى العنف الصادر عن السلطة، وعن مدى بطشها بهؤلاء العزل المحتجين عن واقعهم وعن قساوة الحياة و عن التهميش الذي تعرضوا له .
السلطة لا تهادن ولا تحاور …بل تنهج سياسة احترازية تقوم في جوهرها على فرض هيبة السلطة وقوتها .
خاتمة:

يشكل الهامش مجالا مفتوحا للسرد، ومادة خصبة للتخييل، كما يراهن الخطاب السردي الذي يعمل على تبئير الهامش على تحقيق عدة رهانات من قبيل معاكسة الخطاب الرسمي ومراوغة أنساقه وتسليط الضوء على كثير من العتمات والمناطق المظلمة فيه . ورواية «حين يزهر اللوز» للكاتب المغربي د محمد أبو العلا تندرج ضمن هذا الإطار حيث تسعى إلى خلخلة بعض الاعتقادات التي تدعيها السلطة وتعمل على ترسيخها وتجذيرها في خطابها الرسمي وتزعم انها تمثل الشرعية والحقيقة .
هوامش:

(°) كانب وناقد، من أعماله: «المتخيل الأسطوري في الرواية المغاربية)
(1) محمد أبو العلا : «حين يزهر اللوز» . رواية .دار الفاصلة للنشر . ط 1 .2020 .
(2) د عبد الرحمان التمارة : «الممكن المتخيل – المرجعية السياسية في الرواية» . دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع. ط1 .2019. ص 39.
(3) الكبير الداديسي : «دلالات الجبل في رواية جبل موسى للروائي المغربي عبد الرحيم بهير». انظر موقع الحوار المتمدن .


الكاتب : المصطفى سلام

  

بتاريخ : 20/05/2022