كأس العالم قطر 2022: كرة القدم.. ليست إلا مرآة لتاريخ المغرب !

تسعى الرياضة، التي وصلت إلى الأراضي المغربية قبل عام 1912، تزامنا مع الحماية الفرنسية والإسبانية، إلى ترسيخ مكانتها التي مر عليها زمن لا بأس به في مرتبة «المصلحة الوطنية العليا»، بفضل تشجيع العاهل المغربي الملك «محمد السادس» للوسط الرياضي المغربي، ومبادراته الدائمة لتهنئة كل الرياضيين المغاربة الذين يرفعون الراية المغربية عاليا، على غرار الصورة الشهيرة له مع فريق «الرجاء البيضاوي» ضد «بايرن ميونيخ» في نهائي كأس العالم للأندية بمراكش، بتاريخ 21 دجنبر 2013، وما حملته تلك الفترة من رمزية كبيرة بالنسبة للمغاربة والفريق الأخضر.
لذا يتبادر إلى أذهاننا سؤال محوري: «هل سيحصل الملك محمد السادس من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على التكريس الذي كان والده الحسن الثاني يسعى إليه دائما لتنظيم كأس العالم؟»..
لقد دفعت الرغبة المغربية في تنظيم كأس العالم، بلد الراية الحمراء والنجمة الخضراء، إلى خوض هذه المغامرة في خمس مناسبات، هي على التوالي (1994 – 1998 – 2006 – 2010 – 2026)، إذ تقدم المغرب بطلب لاستضافة هذا الحدث الكروي الدولي الكبير.. لكنه لم يفلح في ذلك. غير أن ما نعرفه (على وجه التحديد) أن أقسى هزيمة له كانت في نسخة عام 1998، عندما كانت فرنسا (البلد المستعمر السابق) هي الفائزة. كما كان الحال في طبعة 2010 مع جنوب إفريقيا، التي خطفت «حلم أن تكون أول دولة في القارة تستضيف هذا الحدث العالمي المخصص للكرة المستديرة».
وفي وقت لاحق، أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالفعل أنها تريد تجربة حظها مرة أخرى عام 2030، حيث من المقرر إجراء «تصويت الفيفا» عام 2024، مستعينة في ذلك بما سيتم تسليطه من الضوء على «الأداء الرياضي لأسود الأطلس خلال كأس العالم الحالية» كنقطة إيجابية ومهمة لقبول الملف المغربي.
وبنفس الطريقة، سيتم تعزيز الشغف الموحد الذي تم إطلاقه في البلاد، وفي جميع أنحاء إفريقيا والعالم العربي، وسيتم تعزيز الطموحات المغربية بالرحلة «الاستثنائية» للمنتخب الوطني في قطر 2022.
فبعد الفوز في ربع النهائي على البرتغال (1 – 0) في 10 ديسمبر، لم يغفل «فوزي لقجع»، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، أن يؤكد على أن هذا الفوز هو بالفعل «هدية لجميع المشجعين العرب والأفارقة والمغاربيين، أينما كانوا»، ثم أضاف: «أعتبر أن المنتخب الوطني يجسد، اليوم، الأبعاد الثقافية والتاريخية لمملكة عظيمة، تحت قيادة ملك عظيم، وبدعم من جمهور كبير وشعب عظيم».. لا يمكن أن نعتبر كرة القدم في المغرب، الآن، كما في أي مكان آخر، إلا رافعة سياسية كبيرة».
وبالعودة إلى التاريخ، وصلت كرة القدم إلى الأراضي المغربية قبل عام 1912، حيث كان «البالون» (الوصف الفرنسي للكرة) يسافر بالفعل في حقائب الأوروبيين الذين استقروا، ومعهم الامتيازات الاقتصادية الجديدة لصالح الإمبراطورية الشريفة.
وفي وقت سابق من تاريخ الحماية في المغرب، تأسس «النادي الرياضي المغربي» عام 1902، وواكب بدوره الهجرة التي لحقت الاستيطان الفرنسي والإسباني، التي تلت هذه الممارسة، وتجسدت بعد بضعة عقود من قبل شخصية «جاست فونتين» المولود في مراكش عام 1933، والذي أصبح لاعبا فرنسيا دوليا في 1950، وما يزال حتى الآن، الهداف الأول لكأس العالم برصيد 13 عشر هدفا.
ولم يبتعد المغاربة (من ذوي السلطة والنفوذ والقريبين من النخب الاستعمارية) عن الميدان الكروي لفترة طويلة، حيث ستمارس النخب المغربية القريبة من السلطة الاستعمارية – الأبناء كبار السن أو الطلاب المتحضرين – سلطتها وسوف تستولي تدريجيا على هذه الرياضة، إذ يقول «ستانيسلاس فرنكيل» المؤرخ الرياضي والمحاضر في «جامعة أرتوا»: «…ستساهم كرة القدم في بناء الـ «نحن» المنشود..»، ومنجهيته يقول «منصف اليازغي» باعتباره باحثا في السياسة الرياضية ومؤلفا للعديد من الكتب حول هذه القضية أنه «منذ الحقبة الاستعمارية، تم التأسيس لصلة «وثيقة» بين كرة القدم والسياسة في المغرب».
وبدا ما ذكر سابقا جليا في المجتمع المغربي، الذي شارك الصغار فيه بدورهم في العجلة الكروية، حيث شهد عام 1930، ظهور فتى يتيم من إقليم طاطا الجنوبية، «العربي بن مبارك» الذي أبهر الجماهير ببراعته الكروية، قبل ان يلتحق بفريق «أولمبيك مرسيليا» (الفرنسي) في 1938، الذي كان بوابته نحو المنتخب الفرنسي بين عامي 1938 – 1954، قبل أن ينهي مسيرته الكروية في بلده الأصلي (تحديدا في الرباط)، حيث وصفه الراحل «بيليه» بـ»إذا كنت أنا ملك كرة القدم، فإن بن مبارك هو خالق اللعبة».
وخلال الحقبة الاستعمارية في المملكة، وفي جميع أنحاء المغرب، شهد التاريخ مجموعة من مباريات الديربي النارية بما يسمى بالفرق «الأوروبية» (التي اختارت في صفوفها أفضل اللاعبين «المحليين») أو كما سميت في تلك الفترة بـ»الفرق المسلمة».. من بين تلك المواجهات «النارية» كانت تلك في الدار البيضاء بين «الإتحاد الرياضي المغربي» و»نادي الوداد الرياضي».. من هذه النقطة، فإن كرة القدم هي «بوثقة تنصهر فيها الهوية، ووسيلة للانتقام الاجتماعي مثل نادي «راجا أثليتيك» (الرجاء البيضاوي) الذي أسسه النقابيون والقوميون في عام 1949».
صعود و نزول متكرر !

بالنسبة للجامعة الملكية لكرة القدم، التي تم إنشاؤها في أوائل عام 1957، أي بعد أقل من عام من الاستقلال، فقد تمكنت من الحصول على إذن ملكي من لدن الراحل «محمد الخامس» لصالح المنتخب الوطني باللعب في عام 1958 في خضم «الحرب الجزائرية»، ضد فريق «جبهة التحرير الوطني»، وبالرغم من أن المباراة أثارت غضب فرنسا، التي وبناء على طلب من باريس، أدت بالمغرب لتلقي عقوبات صارمة من لدن «الفيفا»، ليعيش كل من الناخب والفريق الوطني بعد ذلك، حالات من الصعود والنزول متكررة.. قبل أن يتأهلوا إلى نهائيات لكأس العالم، أولها في عام 1970 في المكسيك..
وفي يوم 3 يونيو من 1970، بينما كان متقدما 1 – 0 ضد «جمهورية ألمانيا الاتحادية» (نهائي عام 1966)، اتصل الملك الحسن الثاني بالتلفزيون الوطني، وأكد من أنه في حالة الفوز سيلقي خطابا للأمة، غير أن الرياح سارت بما لا تشتهيه سفينة المغرب!
بعد هذا الحدث الدولي، فاز أسود الأطلس بكأس الأمم الأفريقية 1976، ثم أصبح الفريق «أول فريق إفريقي» يجتاز مراحل المجموعات في كأس العالم في عام 1986 (المكسيك) محتلا المركز الأول في مجموعته ومتقدما على «إنجلترا» و«بولندا» و«البرتغال».
وبعد بطولة العالم لعامي 1994 و1998، التي برزت فيها موهبة «مصطفى حجي»، شهدت مسيرة طويلة من التخبطات أشبه برحلة عبور طويلة في الصحراء الكروية، استمرت لما يقرب من 20 عاما، ومرافقة لعدد لا بأس به من المدربين الأجانب (خاصة الفرنسيين)، الذين أخذوا يخلفون بعضهم البعض واحدا تلو الآخر، دون القدرة على «التكفير» عن شيء من النتائج السيئة لاختياراتهم الكروية.
ومن جهته، راقب الراحل «الحسن الثاني» عن كثب أداء المنتخب الوطني، الذي وصف حاله «منصف اليازغي» بأنه «لطالما كانت كرة القدم قضية مهمة بالنسبة للملك».
وفي عام 1971، قبل مباراة «حاسمة» ضد الجزائر، وصل الجنرال «أوفقير» (وزير الدفاع سابقا) إلى مركز التدريب لتكوين الفريق الذي صاغه الملك. وفي عام 1974، وجد أن اللاعبين يلعبون بتهور، وينظرون إلى الكرة كثيرا ولا يتكيفون مع اللعبة، وطالبهم بارتداء دعامة للرقبة أثناء التدريب.. قبل مباراة معينة في الدار البيضاء ضد «تركيا» في نهائي «ألعاب البحر الأبيض المتوسط» في 1983، دعا الملك نفسه إلى غرفة تغيير الملابس لـ»تطوير الخيارات التكتيكية» للمنتخب، حيث تقول الأسطورة أنه تم تثبيت هاتف على مقاعد البدلاء، حتى يتمكن الملك من تمرير وتحقيق تعليماته أثناء المباراة.
لقد فطن الملك، كيف يمكن لكرة القدم أن تكون أداة لبناء الشعوب أو لتوجيه الغضب الجماهيري أيضا، أو كما لخص «منصف اليازغي» حديثه بالقول «السيطرة على الرياضة هي السيطرة على الشباب».. في سياق مشابه، كان الجنرال «حسني بن سليمان» (1996 – 2009) وخليفته «علي الفاسي الفهري» شقيق وزير الخارجية يغذيان خطب الملك للأمة من الاستعارات الرياضية، الذي بدوره كان يضع نفسه ك»حكم في الحياة السياسية» ويسحب البطاقات الصفراء إذا لزم الأمر، كما تأكد الحسن الثاني منذ نهاية 1980 كيف يمكن أن يصبح تنظيم كأس العالم عرضا دوليا هائلا وبمثابة لوحة وحافز لتطوير البنية التحتية للمملكة.
إزدواجية الهوية !

اليوم، يحمل ابنه «محمد السادس» الشعلة، رفقة «فوزي لقجع»، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، وبموافقة الملك، تعيش الجامعة الملكية لكرة القدم على أساس عال، بميزانية قدرها 87 مليون يورو، تغذيها إلى حد كبير الإعانات ورعاية الشركات العامة، التي تمكنت من دفع راتب «وحيد خليلوزيتش» المدرب السابق لأسود الأطلس بين عامي 2019 و 2022 (قبل استبداله بالركراكي) والقريب من 1 مليون يوروسنويا..
وكما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، فإن النجاحات مثل التي تحققت في قطر 2022، هي «»هدنة» تحجب صعوبات الحياة اليومية، بالرغم من أن هذا «الفرح الكروي» يجعل من الممكن نسيان القليل عن المشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار خاصة «أسعار الوقود» أو تلك المرتبطة ب»تداعيات الجفاف»، وفيما يمكن وصفه ب»لحظة عظيمة للوحدة الوطنية»، كما يقول «منصف اليازغي». مع ملاعبها الحديثة، تعد البلاد أيضا في طليعة إفريقيا الرياضية، والتي تعزز بدورها «دبلوماسية كرة القدم» المفيدة، التي سهلت الشراكات القارية التي أقيمت مع اتحادات إفريقية من أجل عودة المغرب في عام 2017 إلى حضن الإتحاد الإفريقي، الذي غادره في عام 1984 بسبب النزاع حول ملف الصحراء.
تمتلك الجامعة الملكية لكرة القدم حاليا، تحت أيديها ما يقرب من 100 ألف مرخص فقط وتعتمد الاختيارات بشكل كبير على اللاعبين المدربين في الخارج..
ويرى المغاربة قاطبة في المدرب الحالي، «وليد الركراكي» (47 عاما) «بطلا قوميا» (بالرغم من كونه من مواليد الخارج)، حيث يذكر المؤرخ «ستانيسلاس فرنكيل» أنه «..بعد جيل من اللاعبين الذين ولدوا في المغرب، وتوجهوا (كل بطريقته) للعب في فرنسا أو الاحتراف في الخارج.. نشهد الآن ظهور جيل جديد ولد حصرا في أوروبا.. وهكذا، أصبحوا بطريقة ما تعبيرا عن «هوية مزدوجة» و«اعترافا مزدوجا» بمغربيتهم المكتسبة التي لا تقل عن أقرانهم من المغاربة المولودين في المغرب».
ومع ذلك، يطمح المغرب إلى الاعتماد بشكل أقل على الخارج. تم إنشاء أكاديمية محمد السادس في عام 2009 بسلا، التي أنتجت حاليا العديد من اللاعبين الموهوبين. كما أنها موطن للمنتخب الوطني للسيدات ، الذي يعمل أداؤه أيضا كبيان. وبالتالي فإن كرة القدم هي ناقل سياسي أساسي. يجب أن تؤكد إنجازات قطر مكانتها باعتبارها «مصلحة وطنية عليا».

عن (لوموند) الفرنسية


الكاتب : ت: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 16/12/2022