«كتاب السفر» لمحمد بهجاجي أو متعة الأسفار

 

يتيح لنا محمد بهجاجي، من خلال أحدث إصداراته «كتاب السفر»، إمكانيات مرافقته في أسفاره بدون تردد وبلا أمتعة ضمن مسار ممتد عبر سنوات عمله في القطاع الثقافي والإعلامي، بدءا من الجزائر والسعودية والعراق، إلى سوريا ولبنان ثم الأردن وتونس. إنها الرحلات الرائعة التي يدعونا إليها المؤلف الذي حين يسافر فالأهم، بالنسبة إليه، ليست الحقيبة، ولكن حصيلة ما يعود به من معايشة آنية بعين المكان.
إنه المسافر بلا حقائب، لكنه مع ذلك يحرص على أن يمدنا بالتفاصيل الصغيرة حول الأمكنة ذات المسارات اللامتناهية. ويتم ذلك مع أصدقائه والمقربين منه: أحمد الطاهري، ثريا جبران، عبد الواحد عوزري في لبنان، لطيفة وعبد الإله الحمدوشي في الجزائر، عبد المقصود الراشدي في العراق، محمد مفتاح وعبد الوهاب الدكالي في سوريا، أحمد بدري وسالم اكونيدي وفهد الكغاط وعزيز بوزاوي وعدد من الفرق المسرحية المشاركة في مهرجان المسرح العربي في الأردن سنة 2020. وهذا ما يغني النص ويكثفه، ويجعله دليلا أكثر منه متنا حكائيا لأن السفر مع بهجاجي هو أصلا سفر. ولذلك حين نقرأ أسفاره يثار الانطباع لدينا دائما كما لو أننا سبق أن زرنا تلك الأمكنة نتيجة دقة الوصف وبلاغة التفاصيل.
فعلا إننا نادرا ما نزور المكان مرتين، لكن مع بهجاجي يمكن زيارة المكان ذاته ألف مرة، خاصة وأن أسفاره صارت اليوم مؤطرة داخل متن اسمه «كتاب السفر».
لكن هل السفر متعة أم واجب؟
هما معا بالنسبة إلى بهجاجي. بل السفر هو كذلك الاكتشاف. ومع ذلك فحين يسافر بهجاجي يكون قد أحاط بمعرفة الأمكنة التي سيزورها، وانطلاقا من تلك المعرفة يغذي فضوله الجوال. ولذلك حين يكون في عين المكان يوظف كل الشذرات المجمعة لديه حديثا أو منذ فترة الإعداد، ويطورها إلى أن تأخذ شكلها النهائي.
وبالنسبة إلي أنا الذي أعرف محمد بهجاجي أعرف بالخصوص أنه من أصول أمازيغية، ومع ذلك وعلى امتداد أسفاره في العالم العربي ينسى ذلك البعد المهم في شخصيته، ويصبح عربيا تماما.
في سوريا وفي لبنان كما في السعودية والعراق، أو في تونس حتى نجد من الصعوبة بمكان إدراك أنه أمازيغي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية، لغة القرآن قبل كل شيء، هي أهم عامل موحد لأقطار العالم العربي دون أن يعني ذلك أن الوحدة محو لباقي الديانات التي لا تزال توجد بتنوعها في سوريا والعراق ومصر. نذكر في السياق ذاته طارق عزيز الذي كان مسيحيا مثل شرائح واسعة من شعب العراق.
من خلال كل ذلك تحضر التفاصيل ووقائع التاريخ والجغرافيا بوجوهها المختلفة، انتصارتها وانكساراتها بما فيها ذاكرة الحرب خصوصا. في هذا السياق يستعيد بهجاجي بقوة ذكرى الجنود المغاربة الذين حاربوا مع إخوانهم السوريين، و استشهد بعضهم على جبهة الحرب، ودفن على التراب السوري وبدمشق تحديدا تخليدا لدورهم البطولي في مواجهة الصهاينة.
إن المؤلف يحرص على استعادة بعض هذه التفاصيل والوقائع وعيا منه بأن الحاضر لايمكن فهمه ما لم نفهم الماضي. ولذلك فهو، كما أشرت إلى ذلك، يسافر بذاكرة متقدة، وبعدة معرفية قوية. إنه يسافر كذلك، على مستوى الشعر والشعراء، ضمن رحلة تقودنا من أبي فراس الحمداني إلى نزار قباني، وكذلك يفعل على مستوى تحولات السياسة، وتعقيدات المعيش اليومي، ومخاضات بعض المجتمعات العربية وصراعاتها الدموية أحيانا. من علي ابن أبي طالب إلى صدام حسين.
تحضرني هنا بمناسبة وجود شارع باسمه في دمشق، ذكرى الفقيد المهدي بن بركة إحدى ضحايا قرار الجهر بالحقيقة ضمن عالم يصعب أن نعيش فيه بسلام كلي.
لقد قرأت الكتاب وانصح بقراءته وإعادة قراءته.
بنشره هذا الكتاب يعود محمد بهجاجي، في هذه المرة، أقوى من ذي قبل.


الكاتب : عبد الواحد عوزري

  

بتاريخ : 21/01/2022