ماهي السينما؟

 

في إطار فعاليات المعرض الأول للكتاب الذي نظمته جماعة العرائش دورة الكاتب والمترجم والسيناريست الراحل محمد بنعبود، وبحضور جمهور نوعي مهتم بالسينما، نظمت جمعية فضاءات ثقافية بالعرائش يوم الأحد 24 أبريل 2022 تقديم وتوقيع كتاب « ما هي السينما؟ كتابات وتأملات لمحاولة الفهم « للمخرج محمد الشريف الطريبق، تخللته قراءة نقدية للمؤرخ والكاتب عزيز قنجاع صاحب المذكرات الفكرية والسياسية التي استلهم منها المخرج الشريف الطريبق فيلمه السينمائي « زمن الرفاق «، وتنسيق الشاعر محمد بنقدور الوهراني الذي طرح ضمن ورقته التنشيطية مجموعة من التساؤلات الأساسية التي تمس تجربة الشريف الطريبق الميدانية كمخرج وكاتب وباحث في مجال السينما.
وللإشارة فالشاعر محمد بنقدور الوهراني صاحب مساهمات نقدية عديدة، صدر له كتاب « المعاني الضائعة – إحاطات شعرية « وهو الكتاب السادس بعد أربعة دواوين شعرية « لست الٱن وحدي «، « يد فارغة «، « عن ظهر قلب «، « بعيدا في أول الطريق « وكتاب « نصوص غائبة «.
في معرض مداخلته أشار الأستاذ عزيز قنجاع إلى أن الكتاب يقول نفسه من خلال العنوان كمحاولة للفهم من خلال بحث الشريف الطريبق المستمر عن السينما عبر مقالاته التي نشرت في الصحف الوطنية والعربية، والتي تم تجميعها في الكتاب الأول « لغة السينما من الإبهار إلى التقشف «، ونفس الأمر في الكتاب الثاني « ما هي السينما؟ « . وفي محاولة لإيجاد خيط ناظم أو عنصر مهم يجمع الكتابين معا، خلص الأستاذ عزيز قنجاع إلى أن الشريف الطريبق منشغل جدا بمناقشة بدايات الأمور في السينما، كما نكتشف علاقته الشخصية بالسينما منذ بداياته الأولى من خلال سيرته الذاتية، كمخرج يكتب ويتأمل من داخل الممارسة انسجاما مع منظوره الخاص وليس من زاوية النقد الأكاديمي، إذ نجد أن كل مقالاته تحاول الوقوف على أصل المشكل في السينما المغربية، وكأن أمرا ما ينقصها ويجعلها غير مكتملة إذا قيست بمعايير السينمات الوطنية وخصوصياتها.
كما أكد من ناحية أخرى على العلاقة الجدلية التي تربط السينما بالفلسفة، واعتبر أن امتلاك المخرج للفكر والثقافة بشكل عام هو ما يساعده على بلورة رؤية فلسفية تجاه العالم يتم ترجمتها بلغة السينما، وهي، بلغة جيل دولوز، إعادة إنتاج للمفاهيم الفكرية والفلسفية.
من جهته، لم تكن كلمة الشريف الطريبق التوضيحية مغرقة في التنظير حول السينما، بقدر ما كانت إحاطة بجميع الجوانب التي تشكلت داخل تجربته كمخرج وجد نفسه مشحونا بمجموعة من الدوافع لكتابة مقالاته حول السينما. وقد أشار منذ البداية إلى أن الفقيد محمد بنعبود كان أول من شجعه على تجميع مقالاته المتفرقة حول السينما أثمرت كتابين متتابعين. أما فكرة عنوان الكتاب « ما هي السينما؟ « فهي مستلهمة – حسب الشريف الطريبق – من كتاب الناقد والمفكر الفرنسي أندريه بازا «ماهي السينما؟ «
وفي محاولة للتفاعل مع الأسئلة التي تم طرحها في جلسة المناقشة، يقر الشريف الطريبق أنه يعلن عن نفسه كمخرج ينقل تجربته الشخصية وليس كناقد أو مفكر سينمائي، والراوي في الكتاب هو نفسه، وحتى يزيل أي لبس يلف تجربته، يصرح بأن الكتابة تتوزع لديه بين مستويين: أولا كإنسان سينيفيلي عصامي تكون داخل قاعات السينما ومن داخل حلقات النقاش والتأطير بالنسيج الثقافي والجمعوي، وليس في معاهد السينما أو الجامعات، ومن جهة أخرى كمهني يمارس كتابة السيناريو أو ينشغل في البحث الموضوعاتي حول السينما، في وقت كان من المفروض أن ينحصر دوره، كما هو معتاد في إنتاج أفلامه ويمضي لحال سبيله، لكن وبحكم تأثره بالأجواء الثقافية التي تربي داخلها، كانت تراوده دوما العديد من الأسئلة المقلقة وتشغل تفكيره وتدفعه للتساؤل حول ماذا قدم للسينما ؟ كيف يقيم علاقته بالسينما؟ إلى أي حد تفوق في إيصال الأفكار والرسائل التي يؤمن بها؟ هل أبدع في الأشكال السردية التي يشتغل عليها أم هي مجرد كليشهات مستهلكة …؟
ومن خلال إطلاعي المتواضع على تاريخ السينما – يقول الشريف الطريبق – كنت دائما أحاول أن أتلمس موقعا ما لكتاباتي حول السينما، وإن كان طي التبلور، على ضوء تاريخ السينما العالمية ومدارسها المتعددة، لأنني أعتبرها الأصول المؤسسة لما ستصبح عليه السينما عبر العالم، لا سيما تجربة الإخوة لوميير بفرنسا اللذين لعبا دورا رئيسيا في تاريخ السينما من حيث كونهما اخترعا السينماتوغراف وأيضا كون أول فيلم صوراه ساهم في وضع الأسس العامة للغة والإخراج السينمائيين، بعد ذلك جاءت الموجة الجديدة بفرنسا في سياق حراك فكري ومد ثقافي عارم خلال ستينيات القرن الماضي، حيث لم تعد السينما فرجة وترفيه فقط، بل انشغلت بما هو فكري وفلسفي وسياسي، وقدمت نفسها كشكل ثقافي ورؤية فكرية أفرزت مفهوم « سينما المؤلف « ، وبالتالي تحول المخرج من كونه تقني ينتج الأفلام إلى مؤلف حامل لأفكار، إذ قلما تجد فيلسوفا فرنسيا خلال تلك الفترة لم يكتب حول السينما، ويعد جيل دولوز من أكبر المراجع حول السينما نشرت في كتابيه « l, l’image temps « و « l, image action « لدرجة أصبح بالإمكان الحديث عن المخرج المفكر، الذي يمتلك رؤية للعالم وله موقف في السياسة والمجتمع ومختلف القضايا التي تبنتها الموجة الجديدة بفرنسا، بحكم ارتباط السينما في تلك الفترة باليسار والظلال الفكرية والفلسفية والثقافية التي خلفتها ثورة الطلاب سنة 1968 ، والتي نجد امتدادا لها في مدرسة الواقعية الجديدة بإيطاليا.
نحن في بلد كالمغرب – يقول الشريف الطريبق – ما تزال السينما فيه جديدة وتعيش على إيقاع تراكماتها الخاصة، ابتداء من الافلام البسيطة جدا التي أنتجت بالمغرب سنة 1958 ، لا سيما فيلم « الإبن العاق « لمحمد عصفور أو « الحياة كفاح « للعربي بناني أو فيلم « وشمة « في بداية السبعينيات.
فإلى حدود الستينيات كان إنتاج الافلام لا يتعدى فيلما واحدا في السنة، ولم تنتج السينما المغربية أفلاما مهمة إلا عند بداية التسعينيات من القرن الماضي فما فوق، كفيلم « حب في الدار البيضاء «، وفيلم « البحث عن زوج امرأتي «، ومن تم بدأت وتيرة إنتاج الأفلام في تصاعد مضطرد حتى وصلت إلى حدود 35 فيلم في السنة.
وكمخرج أرى أن أهمية كتاباتي حول السينما تكمن في إعطاء شهادة حول الأعمال التي أنتجتها وطريقة التفكير في العملية الإبداعية ليس كفرجة تقتصر على تتبع مجريات القصة، ولكن كاكتشاف محايث للأبعاد الفنية والجمالية داخل الفيلم. وفي السياق ذاته يمكن الحديث عن ماهية المخرج وكيف يفكر ويصنع فيلمه، خلفيته الثقافية والفكرية، أهمية المشاهدات ونوعيتها للأعمال السينمائية العالمية ودورها في صقل موهبة المخرج، مكونات الفيلم … فالمخرج هنا يتقاسم مع جمهوره أفكاره وتأملاته حول كيف يفهم السينما في علاقته كممارس مهني ضمن مهن سينمائية متعددة داخل الحقل السينمائي.
هذا الكتاب والذي أميل إلى تعديل عنوانه ليصبح « ما هي السينما بالنسبة لي؟ « – يقول الشريف الطريبق – جاء كرد فعل على النقاش العام الدائر حول السينما في المغرب، مثلما يحدث في كل المجالات التعبيرية الأخرى، من حيث النقد الموضوعاتي، أهمية الاستلهام من المدارس الأوروبية والعالمية في تحليل النصوص ومقاربتها، المعمار، الحوار داخل الفيلم، الموسيقى، إختراق المناطق المسكوت عنها في الابداع السينمائي المغربي، كل ذلك من أجل استنبات لغة سينمائية متميزة تثري ريبرتوار السينما المغربية، وهو نقاش مغيب للأسف كاهتمام وكبحث لا سيما من حيث الكتابة حول السينما، حيث يغيب فيه الفيلم وينحصر النقاش في توافه الأمور ولا يلامس الإشكالات الجوهرية التي يتخبط فيها الفيلم المغربي.
وبناء على ذلك يمكن القول إن المنتوج السينمائي المغربي ظلت تتجاذبه لغة نمطية تجسدت بوضوح في الأعمال التلفزيونية الموسومة بلغة مسطحة جدا تكتفي بنقل المشاهد والأشياء دون أن تبذل أي جهد في تركيبها وتقديمها للجمهور في قالب فني وجمالي في المستوى المطلوب، ولغة أخرى مختلفة تحاول جاهدة أن تهرب إلى الأمام وتنهل من التجارب العالمية الناجحة وتنحو إلى التجريب وتسقطه على واقع لا يشبهها، في الوقت الذي كان من المفروض أن تبحث عن كتابة وسطى ترقى بالجمهور المغربي الواسع وترفع من مستوى تلقيه الفني والجمالي للأعمال المعروضة، وليس فقط جمهور النخبة المنجذب حصريا إلى ما يعرف بالسينما الثقافية.


الكاتب : بقلم محمد الجزار

  

بتاريخ : 14/05/2022