مجلس المنافسة والحق في الحصول على المعلومات

أعاد إفراج حكومة السيد عزيز أخنوش على مشروع القانون «41.12»، المتعلق بإصلاح القانون المنظم لمجلس المنافسة، إلى الواجهة واحدا من أشد المواضيع حيوية، ضمن المشروع المغربي للإصلاح الإداري والتدبيري المتعلق بتحديد وتعزيز أدوار مؤسسة دستورية من قيمة «مجلس المنافسة»، من حيث إنه آلية لتعزيز الشفافية ودولة المؤسسات والقانون. وهو الدور الذي سبق ونبهت رسالة ملكية إلى رئيس الحكومة السابق الدكتور سعد الدين العثماني، إلى أنه يجب أن يتم الحرص في إنجاز مهامه على «إضفاء الدقة اللازمة على الإطار القانوني الحالي وتعزيز حياد وقدرات هذه المؤسسة الدستورية وترسيخ مكانتها كهيئة مستقلة تساهم في تكريس الحكامة الجيدة ودولة القانون في المجال الإقتصادي وحماية المستهلك». وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق فعليا بدون توفر ثالوث «الدقة/ الحياد/ الإستقلالية».
ومن مداخل ذلك الإصلاح والتعزيز لدور مؤسسة مجلس المنافسة، مدخل الحرص على ضمان شفافية التواصل مع الرأي العام الوطني ومع مجمل الفاعلين الإقتصاديين (وطنيين وأجانب) ومع عموم المستهلكين (مغاربة وأجانب مقيمين بشكل قانوني بالمغرب). وأن ذلك لا يتحقق بدون تفعيل بنود منظومة «الحق في الحصول على المعلومات»، كما يؤطرها القانون رقم 31.13 ببلادنا.
هل مجلس المنافسة بالمغرب متصالح مع هذه الضوابط، كما يفرضها ليس فقط قانون الحق في الحصول على المعلومات المغربي، بل حتى توصيات تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، وكذا المخطط الوطني لإصلاح الإدارة؟.
تقنيا، لا يزال مجلس المنافسة سجين آلية تواصلية (إخبارية) فقط، تكتفي بمنطق «البلاغات» و «القرارات»، شكلت الأزمة المتفجرة على عهد رئيسه السابق الدكتور إدريس الكراوي، الدليل على الحاجة إلى إعادة موضعة جديدة لشكل تدبيره لمنظومة الحق في الحصول على المعلومات، بما يعزز من أفق الشفافية في مهامه وأدواره. علما أن موضوعة الشفافية جد حيوية في عمل مؤسسة دستورية وازنة مثل مجلس المنافسة، كون أدواره ترتبط بشكل مباشر مع آليات تدبير دورة الإنتاج الإقتصادية وطنيا، بما يضمن العدالة بين الفرقاء الإقتصاديين، وعدم استغلال النفوذ، وبما يضمن أيضا حماية المستهلك المغربي، الذي تكون نتيجة ذلك الفضلى هي منح المناعة للإقتصاد الوطني مؤسساتيا وإنتاجيا وقيميا، وتحقيق العدالة بين واجهات الرأسمال الوطني مؤسساتيا، وكذا العدالة المجالية ترابيا، والعدالة بين كل الفاعلين المنخرطين في دورة إنتاج الثروة بالمغرب.
مهم هنا التذكير على أن الفقرة الثانية من الفصل الأول من دستور فاتح يوليوز بالمغرب، تنص بالحرف على أنه: «يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة». وأن لجنة النموذج التنموي الجديد، في تقريرها العام (الصفحة 66 منه)، قد وضعت تقعيدا منهجيا لتلازم «ربط المسؤولية بالمحاسبة» مع «منهجية التقييم المنتظم لعمل خدمة المرفق العمومي» (في القلب منه النشاط الإقتصادي)، وشرط توفر الآلية المفعلة لحماية وممارسة الحق في الحصول على المعلومة. فهو بناء مركب، قوي وهام، يعكس مرجعية في الرؤية تستند على ترابط الحق في المعلومة مع مبدأ التقييم وخيار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وكل ذلك ترجمان للخلفية الحقوقية المؤطرة للحكامة الجيدة ضمن النظم الديمقراطية الحديثة، التي يعتبر توفر تلك الحكامة، بشروطها الواجبة، دليلا على رسوخ مبادئ الديمقراطية فيها. وأن لجنة النموذج التنموي الجديد، قد نبهت إلى ذلك التلازم، لارتباط الأمر بالتزامات المغرب الدولية في مجال «مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة».
مثلما أن «الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018 / 2021»، قد اعتبرت ضمن مخططها لتفعيل التحولات الهيكلية الواجبة لإصلاح الإدارة (التي جاءت في 24 مشروع إصلاحي مبوب)، في باب تحت عنوان «التحول التخليقي» (الذي شكل المشروع رقم 23 من ضمن مشاريعها الإصلاحية 24)، أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن من مداخل ذلك الأساسية تفعيل منظومة الحق في الحصول على المعلومات لكل المواطنين والمواطنات وللأجانب المقيمين بشكل قانوني بالمغرب.
بالتالي، فإنه بالعودة إلى القانون رقم 31.13 المنظم للحق في الحصول على المعلومات بالمغرب (الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6655، يوم 12 مارس 2018)، تجاوبا مع روح الفصل 27 من دستور 2011، فإنه يلزم مؤسسة دستورية مثل مجلس المنافسة، بصفتها مرفقا عموميا تسري عليه أحكام مواد الباب 12 من الدستور في كافة فصوله 17 (خاصة الفصل 166 منها)، بواجب تفعيل بنود هذا القانون، في كافة أبوابه السبعة ومواده 30، خاصة منها الباب الثالث المتعلق ب «تدابير النشر الإستباقي» في مواده 10 و 11 و 12 و 13. التي تقول بضرورة مبادرة كل مؤسسات المرفق العمومي بنشر المعلومات التي في حوزتها للعموم ضمن مجال تخصصها واشتغالها ما لم تتعارض مع مواد الباب الثاني من القانون المذكور المتعلقة ب «الإستثناءات من الحق في الحصول على المعلومات»، التي من ضمنها في ما يتعلق بمجلس المنافسة كل ما يرتبط بعدم الضرر بالسياسة النقدية أو الإقتصادية أو المالية للمغرب وبحقوق الملكية الصناعية. وأنه من ضمن ما يفرضه القانون 31.13 على مجلس المنافسة، ضمن مجال اختصاصه، واجب الإلتزام بالنقط الواردة في المادة 10 من الباب الثالث منهم المتعلق بتدابير النشر الإستباقي، خاصة منها: النصوص التشريعية التنظيمية / مهام المؤسسة أو الهيئة المعنية وهياكلها الإدارية والمعلومات الضرورية من أجل الإتصال بها/ الأنظمة والمساطر والدوريات والدلائل التي يستخدمها موظفو المؤسسة أو الهيئة أو مستخدموها في أداء مهامهم/ قائمة الخدمات التي تقدمها المؤسسة أو الهيئة للمرتفقين بما فيها قوائم الوثائق والبيانات والمعلومات المطلوبة بقصد الحصول على خدمة أو وثيقة أو بطاقة إدارية رسمية والخدمات الإلكترونية المرتبطة بها/ حقوق وواجبات المرتفق تجاه المؤسسة أو الهيئة المعنية وطرق التظلم المتاحة له/ شروط منح التراخيص والأذونات وشروط منح رخص الإستغلال/ الإحصائيات الإقتصادية والإجتماعية/ المعلومات المتعلقة بالشركات لا سيما تلك الممسوكة لدى مصالح السجل التجاري المركزي/ المعلومات التي تضمن التنافس الحر والنزيه والمشروع».
فيما تُلزِم المادة 12 من القانون 31.13، بضرورة تعيين شخص أو أشخاص مكلفين تعهد إليهم مهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومات ودراستها وتقديم المعلومات المطلوبة وكذا المساعدة اللازمة عند الإقتضاء لطالب المعلومات في إعداد طلبه، ويعفى الشخص المكلف ذاك من واجب كتمان السر المهني المنصوص عليه في التشريع الجاري به العمل في حدود المهام المسنودة إليه بموجب القانون 31.13، مع مراعاة شروط بند الإستثناءات. ثم توفير قاعدة البيانات والمعلومات الموجودة في حوزة المؤسسة للمكلف قصد تمكينه من القيام بمهامه وفقا للقانون المذكور.
هل يلتزم مجلس المنافسة بكامل هذه الشروط المفعلة لمنظومة الحق في الحصول على المعلومات؟
الجواب سلبي للأسف، حتى الآن، ذلك أن موقع المجلس الإلكتروني الذي يعتبر الواجهة الرئيسية لتواصله مع العموم، يقدم ملامح أسئلة نقدية حول عدم التزام المجلس بشروط تفعيل الحق في المعلومات. بدليل عدم تعيين رسميا حتى الآن مكلف أو مكلفين بتقديم المعلومات للعموم (أو الإعلان عن ذلك التعيين بشكل مدقق فيه الإسم والصفة ووسيلة الإتصال). مثلما أن تفعيل آلية تدابير النشر الإستباقي غير متوفرة بشروطها الواجبة. وأنه أكثر من ذلك حتى قرارات مجلس المنافسة التي يصدرها في مناسبات مختلفة تصدر بالجريدة الرسمية فقط ولا تواجد لها ضمن آليات تواصله العمومية (خاصة موقعه الإلكتروني). مثلما أن مجلس المنافسة قد سبق ونشر ملخصا فقط لدراسة أنجزها حول السوق السمعية البصرية بالمغرب، بموقعه الإلكتروني، ما لبث أن أزالها بعد ذلك، دون أن يبادر إلى نشر مجمل الدراسة تلك، أو السبب في إزالة ملخصها (كمثال فقط).
بالتالي، فإنه تفعيلا لمشروع القانون الجديد المنظم لعمل مجلس المنافسة، المنتظر مناقشته بالبرلمان والمصادقة عليه (القانون رقم 41.12)، فإن من مجالات أدواره المركزية لتفعيل إلزامية تحقق مبادئ الحكامة الجيدة (ثالوث: الدقة / الحياد / الإستقلالية)، مجال تفعيل واجبات تنفيذ منظومة الحق في الحصول على المعلومات كما يحدد شروطها القانون 31.13.


الكاتب : بنعبد الله الروداني

  

بتاريخ : 04/07/2022