مجموعة «أنظر» للقاصة المغربية : سلوى ياسين التكنيك السردي وأنواع الكلام

 

أصدرت القاصة المغربية سلوى ياسين، مجموعة قصصية تحمل عنوان» أنظر»،. تقع في مائة صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل على عشرين قصة قصيرة متفاوتة الطول والقصر، وقد صدرت في طبعتها الأولى ضمن منشورات سليكي أخوين برسم سنة:2017. وسنحاول من خلال هذه القراءة المتواضعة الوقوف عند بعض الموضوعات والقضايا الفنية التي تميز المجموعة. وإلى جانب المقدمة والخاتمة، ستنصرف هذه القراءة إلى التركيز على منحيين اثنين :الأول يهم التقديم والعنوان، مرورا بالمتن الحكائي وما يحفل به من فضاءات الحزن والفرح والخيانة والأخلاق والطفولة وغيرها من باقي الفضاءات الأخرى. والثاني، يخص أنواع الكلام والقول في المجموعة، إلى جانب التكنيك السردي المعتمد في العملية السردية.

في العنوان ودلالته:

يلاحظ أن القاصة سلوى ياسين اختارت كعنوان لمتنها القصصي «أنظر». ومن المعلوم أن هذا العنوان من شأنه أن يثير بعض الفضول والأسئلة لدى قارئ هذا المتن حول هذا الفعل وكذا مجالات وفضاءات هذا النظر. وفي حال تأمل هذا العنوان سنجد أن «أنظر «من فعل نظر، ونظر حسب الكثير من المعاجم تعنى تأمل وعاين، فما المقصود إذن ب»أنظر»؟
في حال قراءة عنوان هذا المتن وربطه بالمتن العام ككل، سيتضح بأنه لا يقصد ب» النظر» النظر العادي والمباشر، بل يقصد به دلاليا البصيرة والإدراك، وبهذا المعنى فإن الكاتبة ببصيرتها وإدراكها ستعمل على استبطان عوالم الواقع والإنسان في سردها القصصي هذا. تقول الساردة:» أنظر إليك وأنت تصل إلى مكان ما قرب النهاية».ص: 67 ، وتقول في سياق آخر:» أنظر إليّ من الجهة المقابلة لغرفتي أشاهدني واقفة خلف الستارة أراقب العالم بنصف وجه».ص:69. يبدو من خلال القرينتين أن الساردة وهي تنظر إلى ظلمة وداخل هذا الأنت والأنا الفردية والجمعية نظرة مختلفة متجاوزة نظرة الإنسان العادية، ومما يزكي هذه الفرضية كون نظرة المبدع إلى العالم تختلف كليا عن النظرات الأخرى المعتادة. إذن ماذا عن هذه النظرة، وبالتالي، ماهي الآليات التي توسلت بها الكاتبة لتحقيق ذلك؟

في المتن الحكائي
أو الإطار:

إن الحديث عن المتن الحكائي يدفعنا إلى التأكيد أن المجموعة تنشغل من حيث الإطار بجملة من الظواهر والقضايا الإنسانية التي تهم فضاءات الحزن والفرح، والخيانة، والأخلاق، والطفولة. .. من دون أن نعدم باقي الموضوعات الأخرى التي قد تثير القارئ.

من فضاء الحزن إلى فضاء الفرح:
قي قصة «حزن مغربي» تحكي الساردة لصديقتها الأمريكية»جيسيكا « عن حزننا الذي لا لون ولا طعم له، حزن غريب يشبه الوخزة المفاجئة.إنه الحزن المغربي الذي لا يشبه أي حزن.إلى جانب هذا فهي ترسم له صورا مثيرة، وللاقتراب من عوالمه نتوقف عن الصور التالية: «قد يأتي مثلا حين تعدين نقودك التي لا تكفي. قد يتسلل في وجوه الذاهبين إلى عملهم كل الصباح أو يخرج من بين أنامل المرأة التي تصنع عقدا صغيرة من الحرير.خمسة سنتيمات لكل عقدة حريرية من أجل قفطان بالملايين».ص:14. إن الساردة لا تكتفي بتمثيل وتعرية هذا الحزن فحسب، بل نجدها تقرنه – على سبيل المقارنة – بالفرح، فرح الآخر وهو ما يزيد من تعميق الجرح.نقرأ في نفس الصفحة:»الحزن الذي ينبع من الإدراك المتأخر أنك لست من الفرقة التي تمر على عربة»بي كاب» سريعة.فرقة من الرجال والنساء يعزفون ويغنون».لا تتناول الساردة الحزن وتعرض له، بل تمثل له وتضفي عليه على سبيل الكناية سمة المحلية «حزن مغربي». فهل يتخلى هذا الحزن عن شطارته؟

من فضاء الخيانة
إلى نهاية الأخلاق:
أ – فضاء الخيانة:
إلى جانب الحزن يمكن الحديث عن الخيانة، والخيانة كما لا يخفى قيمة رديئة ومنبوذة تحتاج إلى تدخل سيكولوجي للحد من نزيفها المرضي.ويبدو أن القاصة سلوى ياسين أدرجتها ضمن إطار القصة، وذلك للفت انتباه القارئ إلى خطورتها وتأثيرها على الاستقرار النفسي والعائلي والمجتمعي.وهكذا، ففي قصة»الأسباب والنتائج» ترسم القاصة بورتريها ساخرا لشخصية «مون»، وهو اسم تصغير ل»ميمون» بطل القصة القروي المولع بالهوى وأكل اللحم الأخضر، وحسب القصة فإن هذه الشخصية لا تعير أي اهتمام للحب الإنساني ( الزوجة عيشة ) وألاعيب بعض النساء من بائعات الهوى اللواتي يرتبط بهن. لكن حياة هذا الرجل وبفعل اللامبالاة سرعان ما ستتحول إلى كابوس يرهقه ويرهق عائلته الصغيرة، خاصة بعد أن أصابه الشلل النصفي وأقعده عن جميع أنشطته الشيطانية. يقول «مون « عن هذه الإصابة: «إنه أصيب بشلل نصفي لأن زوجته هي التي وضعت له شيئا في الطعام لذلك فهو يعيش بنصف جسد الآن».ص:13.يبدو إذن أن ما حل ب»مون» أثار لغطا كبيرا بين الجميع، فزوجته مثلا: «تقول إن بائعات الهوى هن من دسسن له شيئا في الشراب».ص:13،أما الطبيب فيرى هو الآخر بأنه:»سوف يتحسن مع الوقت إذا هو تخلى عن حياة الذئب التي كان يعيشها بأكل لحم الغنم كل يوم.».ص:14.ويلاحظ أن الساردة في هذه القصة لا تلتزم الحياد وتكتفي فنيا بعرض انطباعات الآخرين حول»مون»، بل نجدها تنحاز للزوجة وتسخر من الزوج ،وتقول في هذا السياق:»إن وحيد القرن يمكنه أن يتزوج بالفراشة وينجب منها أيضا، والدليل أن مون تزوج «عيشة».»مون «الرجل الحقيقي الذي اسمه الحقيقي»ميمون» أو ربما «مأمون» أو حتى «المامون».لا أحد يعرف تاريخ هذا الاسم الذي يشبه اسم قرد».ص:14. هكذا يظل»مون» صوتا يتيما في هذه المعادلة بعد أن أحرق جميع ما يملك من أوراق بفعل طيشه وحماقاته التي لم يتقبلها أفراد الأسرة والمجتمع الذي يعيش في كنفه. وعلى أي فالخيانة كما تضمرها القصة مشكلة لا تنتج سوى التخريب الصحي والعائلي والاجتماعي، وحالة «مون» كما تجسدها القصة لا تحتاج إلى بيان.

ب – نهاية الأخلاق:
إلى جانب الحزن والخيانة، يمكن الحديث عن الأخلاق، والأخلاق من القيم الإنسانية التي تسمو بالإنسان وبروحه إلى مراتب رفيعة. ويلاحظ أن الكاتبة اشتغلت على هذه الموضوعة في قصة»الحياة السحرية للديمقراطية في بيتنا» من خلال حكاية طبيب مصاص دماء يوهم مرضاه بأنهم يعانون من الزوائد الدودية والمرارة بالرغم من سلامتهم، فيحتال عليهم ليسلبهم بعد ذلك مبالغ مالية خيالية مكنته من بناء مصحة.والغريب في الأمر، أنه بالرغم من الفضائح التي تطارده فهذا الرجل يريد أن يشارك في الانتخابات باسم الديمقراطية، وهو الذي لا يجيد كتابة حتى الخطب. تقول الساردة عن هذا الكائن السياسي:»أتذكر أني هنا لكي»أبدأ» في كتابة خطب باللغة العربية يلقيها زوجها خلال حملته الانتخابية».ص:31. وفي موضع آخر تقول عن هذا الطبيب الذي ضرب عرض الحائط قسم أبقراط وأخلاقيات المهنة:»كان يجمع بعض الأحجار الصماء من النهر الجاف ويضعها في قوارير صغيرة، يجدها المريض على طاولة قرب رأسه حين يستيقظ من التخدير.يندهش مما عثروا في بطنه ويشكر الطبيب».ص:32.وغني عن البيان، فإن حالة هذا الكائن الانتخابي»الميكيافيلي»حتى النخاع لا تختلف عن حياة بعض الكائنات التي- تعيش بين أفراد المجتمع وتقتات من أصواته – تفصل عن وعي أو من دون وعي بين السياسي والأخلاقي، وذلك بناء على القاعدة التي تقول: «الغاية تبرر الوسيلة».
وعلى العموم فهل من الأخلاق السياسية أن يترشح للانتخابات طبيب غير نظيف ومصاص دماء؟.
وبعيدا عن قصة «الحياة السحرية للديمقراطية في بيتنا» وما تنطوي عليه من أبعاد أخلاقية وسياسية واجتماعية، فإن القارئ يجد هذه القصة لاتختلف من حيث القيمة عن نظيرتها المعنونة ب»الأسباب والنتائج»، فهي- كما أسلفنا – تستدعي الأخلاق من خلال ما يصدر عن»مون» – بطل القصة – من أقوال وأفعال وسلوكات تمس الأخلاق من حيث الجوهر. إن تناول الأخلاق باعتبارها قيمة مفقودة كثيرا ما تم النظر إليها من منظورات مختلفة أدت إلى مواقف متباينة،وبالعودة إلى القصتين السالفتين يمكن الحديث عن نوعين من الأخلاق: أخلاق خاصة تهم الفرد، وأخلاق عامة تخص المجتمع. وعلى الرغم من الاختلاف الإيديولوجي والمعرفي وكذا الصراع التاريخي- الواضح والمضمر – القائم بينهما، فهما معا يقومان على مبدأ واحد يروم تحقيق السعادة والأمن للإنسان الذي يعتبر من الناحية النظرية، غاية الأخلاق.

فضاء الطفولة:
لا تخلو مجموعة» أنظر» من ملمح طفولي، فمثلا في قصة»صباح بين قوسين» يجد القارئ امتدادا لهذا الفضاء الذي يغري بالكتابة ويمارس السطوة على كثير من كتاب السرد بما في ذلك كتاب القصة القصيرة. ولما كانت الطفولة لاتخضع للتنميط أو النمذجة الجاهزة، فإن الكاتبة فضلت مقاربة هذه الموضوعة من زاوية اللعب وما ينطوي عليه من تلقائية وبراءة. ويتمثل اللعب في القصة من خلال لعبة دق أجراس البيوت صباحا والهرب بعيدا، إلى جانب لعبة صناعة الحلويات بخليط من البول والتراب. تقول الساردة عن اللعبتين معا:»نبدأ بقرع أجراس بيوت الجيران (نقوم أنا وسناء بذلك بالتناوب) جرس لي وجرس لها.بعدها يأتي الدور على عجن التراب بالبول (أنا من كنت أبلل التراب)ونصنع منه حلويات مثل تلك التي تصنعها الأمهات في البيت».ص:35. ويلاحظ أن كلا من اللعبتين الأولى والثانية تنطويان على قليل من الإزعاج وإلحاق الضرر بالغير.ويبدو دلاليا أن توظيفهما في هذه القصة يروم لفت انتباه القارئ إلى نوع من أنواع ألعاب الطفولة التي طواها النسيان أمام مشاغل اليومي، وكذا التأكيد على خلوهما من الأبعاد التربوية. وعلى الرغم من كل هذه المخاطر التي تحدق بهما، فإن ألعاب الطفولة لا تضاهيها باقي الألعاب الأخرى بما تتميز به من متعة وتتخللها من براءة.
إن هذه الموضوعات التي توقفنا عندها بالقراءة تبقى غير نهائية، سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار التداخل الحاصل بين موضوعات ومقامات القراءة،كما ينبغي التأكيد على أن الموضوعات السالفة الذكر تمتح من مرجعات عديدة، ومن بينها يمكن الإشارة إلى المرجعية النفسية والاجتماعية والقيمية والتربوية، كما أنها لا تخضع للمباشرة، ولكنها تستشف من سياقات وماوراء النص.

السرد القصصي من الموضوع إلى التقنية:

أ – باب الأنواع والكلام:
من الظواهر الفنية التي تثير اهتمام القارئ في المجموعة توظيفها لبعض الأنواع والخطابات. ولا يخفى ما يمكن أن تضيفه هذه الآليات من بصمة وإضافة على هذا المتن القصصي. في القصة المعنونة ب» أثر الفراشة»وظفت الكاتبة الصحافة. تقول الساردة:»في جريدة الصباح أقرأ نعيا قال إن سبب اختفاء الفراشة الأخيرة على سطح الأرض كان شيئا آخر غير القتل وغير الانتحار وغير المرض».ص:9. وبغض النظر عن ما يتربص بهذا الكلام/ الخبر من موت رمزي، فإن الأهم في هذه المعادلة هو إخبار القارئ عن قدرة الساردة على المواجهة واقتحام مجاهل الحياة والكتابة من دون استسلام وهروب.إلى جانب توظيف الصحافة، يمكن الحديث عن الأغنية وقد استثمرتها الكاتبة في القصة الموسومة بعنوان»شاي لاثنين»، وفي حال تأملها سيلاحظ القارئ أن الأغنية الأولى هي أمريكية ل «دوري داي»، إذ تخاطب من خلالها حبيبها وتعده بأنها ستصنع له كعكا من السكر وستلد منه أنثى لها، وذكرا له. نقرأ:
« النهار سيطلع
وأنا سأستيقظ
لأصنع لك كعكا من السكر.ص:75
أما الأغنية الثانية فهي مغربية للأم وتغني فيها عن المستقبل والطفولة. تقول الساردة على لسان والدتها:
«عندما كنت طفلة
سألت أمي ماذا سأكون في المستقبل
هل سأكون جميلة؟
هل سأغذو غنية؟
كل ما سيكون سيكون..».ص:83
إن التركيز على توظيف الأغنية – بنوعيها الأمريكية والمغربية – من شأنه أن يزيد من متعة القارئ ويجعله ينفتح على ذوق الآخرين كما يعكس أفق الكاتبة، وقدرتها على تخصيب النص فنيا بأنواع من الكلام. والحديث عن الكلام الديني يقودنا إلى استدعاء الخطاب الديني في المجموعة وهو يأخذ الكثير من المظاهر في متن سلوى ياسين. عن هذه التجليات نقرأ في القصة المعنونة ب»الأسباب والنتائج»: أقول لكم دائما إن القيامة لم يبق لها الكثير لتقوم وأنتم لا تصدقون».ص:16. ويلاحظ أن هذا الخطاب يأتي في سياق تعرية فضائح الفلاح مون التي لا تنتهي. والخطاب هنا ليس موجها لمون، ولكنه يخاطب دلاليا كل من يساند مون ويتستر عليه ويدعمه في محنته هذه ويسعى إلى إقناعه. إلى جانب الأنواع الأخرى يمكن الحديث عن الرسالة، وهي تحضر في القصة المعنونة ب» الباب لايقفل من الداخل وحكايته معقدة» وعن امتدادات هذه الرسالة في المجموعة نقرأ:»أولا: نحن المنزل الوحيد في العالم الذي لديه غرفة بابها لا يقفل من الداخل أبدا. أنا الوحيدة في هذا العالم التي لا تملك مفتاح باب الغرفة».ص:88. والغاية من هذه الرسالة كما يبدو التعبير عن كل ما يخالج الساردة من بوح وأسرار ووجدان، كالحديث مثلا عن تصورها المستقبلي لغرفتها،و الإعراب عن نيتها في الزواج..
إن توظيف الكلام والأنواع إلى جانب ما سلف، يؤكد انفتاح النص القصصي على خطابات وأجناس وأنواع تخدم النص – موضوعاتيا وتجعل منه مجالا للتعالق النصي والتجاور، كما يزيد من مساحته وقدراته التعبيرية في تناوله لأسئلة الذات والمجمتع والعالم.
ب – باب التكنيك السردي:
هل بإمكاننا أن نكتب قصة من دون تكنيك؟. إن الجواب عن هذا السؤال- كما لا يخفى – يكمن في ما يمكن أن نكتبه من قصص. في مجموعة «أنظر» نرصد جانبا من هذا التكنيك، وقد استعانت به القاصة سلوى ياسين في المجموعة لغايات فنية وجمالية وتواصلية. مثلا في القصة المعنونة ب»الأسباب والنتائج» يلاحظ توظيف عديد من الرواة ، وعن تجليات هذا التعدد في النص القصصي نقرأ: مون يقول، زوجته عيشة تقول، أما الطبيب فيضع نظارته فوق أرنبة أنفه ويؤكد…ص:13/14. وكما لا يخفى فإن هذا التعدد في الرواة سرعان ما يكشف عن تعدد صوتي واجتماعي. ونفكر هنا في صوت المرأة والرجل، وصوت الفلاح والطبيب..وأعتقد أن هذا التعدد يطرز المجموعة بمجموعة من الوقائع التي تكون العملية السردية إلى جانب ما تفرزه من مواقف نفسية واجتماعية ووجودية تزيد من انفتاح النص على الكثير من الدلالات. وإلى جانب الرواة ، يلاحظ تدخل الساردة وهو ما يجسد عدم حيادها اتجاه ما يحدث من وقائع وخلافات. تقول الساردة في معرض حديثها عن حالة «مون»:»أما أنا فأقول إن وحيد القرن يمكنه أن يتزوج بالفراشة وينجب منها أيضا».ص:14.لاشك أن هذا التدخل من شأنه أن يطرح بعض الأسئلة لدى القارئ والمتمثلة في الانتصار للنوع من خلال التعاطف مع عيشة. وبغض النظر عن ما تحفل به هذه السمة من بعد تواصلي ووصفي، فإن الأهم هنا هو البعد الإيديولوجي الذي يتمثل في الانتصار لـ»عيشة»ضدا على زوجها «مون». ألم تشبهها في القرينة السردية السابقة بالفراشة؟

التناص:
في القصة السادسة المعنونة ب»القط الأسود»يلاحظ تناصها من حيث العنوان مع قصة القاص الأمريكي «إدغار آلان بو». ويبدو أن الكاتبة استعارت هذا العنوان بغية استثماره سرديا في قصتها برؤية جديدة تجسد جانبا من انشغالها ورؤيتها للعالم والحياة. ومما يزيد من صحة هذه الفرضية كون الكاتبة على اطلاع بالثقافة الأمريكية، ويبدو ذلك واضحا في القصة المعنونة ب»حزن مغربي» وما تتضمنه من أسماء وكلمات وعلامات تسير في هذا الاتجاه.كما نجد نفس هذا القط يحضر بشكل عرضي في القصة المعنونة ب» الباب لا يقفل من الداخل». والصورة التي رسمتها الكاتبة لهذا القط الأسود تذكرنا بقصص كافكا التي تقوم على الرعب والخوف.نقرأ:»له شعر طويل لامع ويبعث على الارتياح. المشكلة داخل القط نفسه ،لقد ولد بقائمتين أماميتين قصيرتين وقائمتين خلفيتين طويلتين.لا يمكننا هنا أن نتهم ممرضة أو قابلة. لا مكان تتجه إليه أصابع اتهام. يمشي القط فتعلو مؤخرته وينخفض وجهه».ص:87.إن هذه القرينة تعكس قدرة الكاتبة سلوى على الوصف والتشخيص خدمة للدلالة ولتمرير بعض المواقف والعمل على تقريبها من القارئ. وإلى جانب هذا النوع من التناص، يمكن الحديث عن تناص آخر يهم قصة النبي سيدنا سليمان مع النملة. في القصة المعنونة ب»أنظر» وردت إشارة تكشف عن هذا التناص، تقول الساردة:»لماذا تهتم بما يدور في العالم لاشيء أهم من النملة التي دهستها للتو».ص:67،أما السورة التي تناصت معها فهي صورة النمل التي تقول:» حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ». الآية:18،وإذاكان التناص الأول يندرج ضمن التراث القصصي الغربي، فإن الثاني يندرج ضمن التراث الديني. وتوظيف التناص هنا بما ينطوي عليه من تنويع واختلاف يعيد إلى الواجهة سؤال عما إذا كان الكاتب يكتب من فراغ أو من داخل ما تراكم لديه من رصيد قرائي ومعارف وأطر.وعلى العموم، فإن التناص هنا يعكس أفق ونوعية مقروئية الكاتبة كما يجسد ما تحمله من تصور فني وبنائي يخص القصة القصيرة.
إلى جانب التناص يمكن الحديث عن ظاهرة الاقتباس، خاصة في القصة المعنونة ب»الحياة السحرية للديمقراطية في بيتنا».تحكي الساردة عن عمتها التي تحولت بقدرة قادرإلى امرأة ميسورة الحال، فتقول- بعد أن تزوجت طبيبا عديم الضمير -:»استقبلتني عند باب المنزل تبدو كبقرة تسر الناظرين فوق العشب».ص:30، وهذا المقطع – كما لا يخفى – يدخل في تناص مع سورة البقرة،خاصة الآية:69 التي تقول:» قالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ».أعتقد أن هذه الصورة السردية الخاصة بزوجة الطبيب بما تنطوي عليه من سخرية واضحة هي نتاج هذا التناص الذي يزيد المتن القصصي أفقا أكثر ورحابة على المستوى التصويري والدلالي. فالنص على ضوء هذا التفاعل يتحول إلى فسيفساء يزيد من جمال القول والتأويل.

تركيب:
هكذا تظل مجموعة « أنظر» للقاصة المغربية سلوى ياسين من المجاميع القصصية الجادة التي توفر المتعة لدى القارئ بما تقترحه من موضوعات إنسانية. ولتمريرها، اعتمدت الكاتبة لغة سردية تمتح من مرجعية نفسية واجتماعية وقيمية وتربوية كما سبق أن أومأنا إلى ذلك. وإلى جانب اللغة وما يكتنفها من تعدد ساهم في تطريز المتن القصصي بجملة من المواقف والأفكار التي تهم الذات والمجتمع، يمكن الحديث عن تعالق نصي بين بعض الأنواع والأجناس من دون أن ينال ذلك من المتن العام.وإلى جانب تعدد الكلام، يمكن الإشارة أيضا إلى التكنيك الذي استخدمته الكاتبة، إذ يمكن تلخيض البعض منه في الراوي وتعدد الرواة والتناص والاقتباس إلى غيرها من باقي الظواهر الفنية الأخرى التي ارتقت بنص سلوى يا سين إلى مصاف النصوص القصصية الأنيقة والجميلة التي تستوجب المتابعة من حيث القراءة والاحتفاء بها نقديا.


الكاتب : حسن اليملاحي

  

بتاريخ : 02/04/2021