المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتحديات المساهمة في تطوير الصحة العمومية

مشاريعها سعت للإجابة عن العديد من النقائص المجالية في هذا القطاع

يعتبر تحقيق الحماية الاجتماعية في أبعادها المتعددة هدفا أساسيا لمختلف البرامج والسياسات التي تم تسطيرها خلال العقدين الأخيرين، التي عرف تنزيلها تباينا وشهدت خطوات أجرأة مضامينها عددا من التفاوتات، لكن ذلك لم يقلّل من قيمة وأهمية مجموعة من البرامج منها، وعلى رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي كان لها أثر كبير في دعم المنظومة الصحية تحديدا من خلال العديد من المشاريع والبرامج التي ساهمت بكيفية جدّ مهمة في تقريب الخدمات الصحية من مجموعة من الفئات الهشة، في الوسطين الحضري والقروي على حدّ سواء، لكن خاصة في المناطق النائية، التي تعرف العديد من الاختلالات المجالية.
خدمات صحية، عملت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تخلّد ذكراها الـ 18 يومه الخميس 18 ماي، على تمويل مشاريعها المختلفة، جزئيا أو كلّيا، من خلال إحداث وإعادة تجهيز عدد من المرافق الصحية من مستويات مختلفة، خاصة الأوّلية منها، لكي تكون قادرة على تلبية الطلبات الصحية للمرضى، كما هو الحال بالنسبة للمراكز المرجعية للأم والطفل، ومنها مركز مديونة الذي جرى تدشينه في شتنبر من سنة 2022، على سبيل المثال لا الحصر، ومختلف المراكز الصحية من المستوى الأول، التي تعدّ المستقبل الأول للمرضى، إما للتكفل بهم في هذا المستوى أو لتوجيههم إلى مؤسسات صحية أخرى إقليمية أو جهوية أو جامعية إذا كان الوضع يتطلب الاستشفاء بمؤسسة من المستوى الثالث، حيث تم في هذا الإطار وعلى مستوى أقاليم جهة بني ملال خنيفرة، نموذجا، تجهيز 136 مركزا صحيا بتجهيزات طبية حيوية لدعم قطاع الصحة بالجهة.
مشاريع همّت مجموعة من المناطق المغربية، ومنها سيدي سليمان التي استفادت من 37 مشروعا له صبغة صحية خلال الفترة ما بين 2019 و 2022، تجسّدت أساسا في بناء وتجهيز مراكز صحية ومستوصفات قروية ودار للولادة، إضافة إلى اقتناء سيارات للإسعاف ووحدات طبية متنقلة، فضلا عن برامج أخرى تم تسطيرها لأجل اقتناء كراسي كهربائية متحركة وحافلات لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة وأخرى همّت مرضى القصور الكلوي وغيرهم. وعلى مستوى إقليم كلميم، فقد مكّنت مجهودات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة من إنجاز 26 مشروعا صحيا بكلفة مالية ناهزت 18 مليون درهم، ساهمت فيها المبادرة بمبلغ 15 مليون درهم، ومن بين هاته المشاريع تجهيز قاعة للولادة بالمستشفى الجهوي إلى جانب اقتناء تجهيزات لفائدة المراكز الصحية بالوسط القروي، فضلا عن وحدتين طبيتين متنقلتين، وغيرها من الخطوات الأخرى ذات البعد الصحي.
وبإقليم الرشيدية، بلغ عدد المشاريع ذات الأثر الصحي التي ساهمت فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 20 مشروعا، شملت على الخصوص اقتناء المعدات والتجهيزات الطبية الموجهة لفائدة صحة الأم والطفل، على اعتبار أن هذا المحور يندرج ضمن أهداف التنمية التي يتم السعي لتقليص المؤشرات السلبية المرتبطة بها، إلى جانب اقتناء سيارات إسعاف ووحدات طبية متنقلة وبناء دار الأمومة. وفي هذا الإطار مكّنت برامج المبادرة من اقتناء معدات وتجهيزات طبية لفائدة مصلحة أمراض النساء والتوليد في المركز الاستشفائي الجهوي مولاي علي الشريف، نموذجا، وكذا المركز القروي من المستوى الأول ببني موسى في الجماعة القروية شرفاء مدغرة، فضلا عن مشاريع همّت مراكز صحية أخرى.
وعلى مستوى إقليم السمارة، استفادت المرافق الصحية في الإقليم من عدد من المشاريع التي تم تسطيرها، والتي مكّنت من الإجابة عن إشكالات تتعلق بمحور صحة الأم والطفل بالمستشفى الإقليمي، وتوفير تجهيزات تقنية وأدوات للجراحة، وأجهزة للتحاليل البيوكيماوية، إضافة إلى حاضنات للموالد الخدج والرضع، التي تعد من أبرز المعضلات على الصعيد الوطني، والتي تسعى المبادرة إلى تقديم الدعم من جانبها في هذا الصدد، كما هو مسجل على مستوى مؤسسة قطرة الحليب في الدارالبيضاء، على سبيل المثال لا الحصر، نظرا للتكلفة الباهظة ولندرة هاته الحاضنات التي يتعذر على كثير من الأسر العثور عليها والاستفادة منها وقت الحاجة الماسّة إليها.
ويتابع المهتمون بالشأن الصحي بكثير من الاهتمام، المشاريع التي تسطّرها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لخدمة الصحة وطنيا، في تارودانت وفي الحوز بالنسبة لمرضى القصور الكلوي نموذجا، وكذا في إقليم فجيج، حيث تم إحداث دار للأمومة ببوعنان في 2020 لتقديم العلاجات الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية للنساء القرويات الحوامل، قبل وبعد الولادة، وفي مختلف مناطق المملكة. برامج حاولت المبادرة أن تحقق من خلال توزيعها تكافؤا مجاليا، مع التركيز على المناطق الهامشية والهشة والتي تعاني من صعوبات في الولوج، الأمر الذي ظل يشكل دوما عائقا أمام المواطنين للاستفادة من الخدمات الصحية، خاصة منها الضرورية والتي تتطلب تدخلا سريعا، مع استحضار تلك التي تدعمها المبادرة والتي لها صلة بأمراض السرطانات. وينظر المهتمون لهذه البرامج بوصفها مبادرات تجيب عن نقائص عديدة تعتري القطاع الصحي، الذي لا تزال الميزانية المخصصة له ضعيفة مقارنة بما توصي به منظمة الصحة الدولية كمعدل، والذي يحتاج إلى مزيد من الجهود لتطويره بالشكل الذي يلبي احتياجات المهنيين والمواطنين على حد سواء.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 18/05/2023