مغاربة «البوكر»: رؤى متقاطعة للروائي عبد المجيد سباطة والناقد الأدبي أسامة الصغير

 للجوائز منطقها الداخلي وخصوصياتها التحكيمية

عرفت الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» التي سيتم الإعلان عن الفائز بدورتها الخامسة عشر يوم 22 ماي الجاري، حضورا متناميا للروايات المغربية على مستوى قوائمها الطويلة أو القصيرة، ووصلت إلى التتويج مرة من خلال رواية «القوس والفراشة» للكاتب محمد الأشعري.
فمن محمد الأشعري إلى محسن الوكيلي، مرورا بعبد الكريم الجويطي وبنسالم حميش ومحمد المعزوز ويوسف فاضل وعبد المجيد سباطة وغيرهم، تمكنت الرواية المغربية من تعزيز حضورها في قوائم البوكر، ومزاحمة الروايات المشرقية فيها، بشكل لافت، كما أنها حظيت بإشادة وتنويه لجان التحكيم المتعاقبة للمسابقة المرموقة على المستوى العربي.
في هذا الحوار، يجيب كل من الكاتب والروائي عبد المجيد سباطة، والناقد الأدبي، أسامة الصغير، عن أسئلة وكالة المغرب العربي للأنباء، بخصوص هذا الحضور المتنامي للرواية المغربية في (البوكر)، وتنوع الأدباء المغاربة الذين بلغوا قوائمها من حيث سنهم والموضوعات التي عالجتها أعمالهم، وحظوظ فوز رواية «أسير البرتغاليين» لصاحبها محسن الوكيلي في دورة هذه السنة.

 

 سجلت القوائم الطويلة والقصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية حضورا ملحوظا للأعمال الروائية المغربية، أي دلالة يحملها هذا الحضور المتنامي؟

عبد المجيد سباطة: أثبتت الرواية المغربية منذ سنوات حضورها القوي في المشهد السردي العربي. وأكد وصول عدد من الروايات المغربية إلى قوائم الجوائز خطأ الاعتقاد السائد في وقت معين، عندما تم تقسيم الإبداع وفق المناطق، واعتبار السرد ملكة مشرقية، مقابل تخصص مغربي في النقد، لكن المغاربة أثبتوا علو كعبهم، وأيضا استفادتهم من مدارس أدبية متنوعة، بما تفرضه ربما خصوصية الموقع الجغرافي، ما جعل الرواية المغربية متفردة في أسلوبها ومواضيعها وروافدها. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار الجوائز سوى حلقة ضمن سلسلة، ولا يمكن البناء عليها بأي حال من الأحوال، ما دام تقييم الإبداع خاضعا لاعتبارات أخرى غير تتويج الجوائز.

أسامة الصغير: هي ملاحظة صحيحة بدرجة كبيرة، كثيرا ما كنا نسمع أن المغرب مدرسة نقدية فحسب، بينما ظل الإنتاج الأدبي ينسب للمشرق، وهذا الأمر ليس بعيدا عن دفوعات المركزية المشرقية داخل الثقافة العربية، وإن كان الإقرار بالسبق النهضوي وظهور المطبعة في المشرق حقيقة جلية صنعت الهوة في مرحلة معينة، فإن مسار المعرفة والثقافة ليس مصمتا، بل إنه خاضع للصيرورة على الدوام، واليوم فإن المشهد الثقافي والأدبي العربي يعيش تحولات جغرافية كثيرة كسرت التنميطات وفككت المركزية المشرقية، فظهرت الرواية في الخليج العربي وشمال إفريقيا، وأيضا في «الدياسبورا» العربية داخل بلدان الاستقبال الغربية. من داخل هذه التحولات الثقافية قد نستطيع أن نفهم الحضور الملحوظ للرواية المغربية في القوائم الطويلة والقصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وفي غيرها من الجوائز العربية الأخرى مثل جائزة كتارا وجائزة الشيخ زايد.

 تتميز لائحة الروايات المغربية التي بلغت قوائم البوكر بالتنوع، سواء من حيث كتابها (السن، والمواقع التي شغلوها (مناصب وزارية وسياسية وغيرهم) ، أو من حيث الموضوعات التي تعالجها. ماذا يمكن أن تقول عن هذا التنوع؟

عبد المجيد سباطة: كما قلت، يتمتع المغرب بخصوصية جعلته منفتحا على مدارس أدبية متنوعة. يصعب بطبيعة الحال الحديث عن مدرسة سردية مغربية، ما دمنا نتحدث عن تجارب بدأت في معظمها بعد الاستقلال أو ربما قبله بقليل، لكن هذه التجارب عملت على تحقيق أقصى استفادة ممكنة، سواء من المدرسة الشرقية (مصر بالخصوص)، أو الغربية (فرنسا في المقام الأول، ثم إسبانيا وربما المدارس اللاتينية والأمريكية في ما بعد)، ربما كان لهذا التلاقح جوانبه السلبية بكل تأكيد، ولكن الواضح أن الرواية المغربية قد استطاعت، سواء عن طريق جيل المؤسسين والرواد، أو جيل الأقلام الجديدة، تثبيت مكانتها في الأدب العربي، كما أنه من المفترض الاحتكام للنص، لا صاحبه، لذلك لا غرابة في أن يصل إلى القوائم وزراء ومكرسون، وأيضا شباب في مقتبل العمر، منهم من وصل إلى مراحل متقدمة من الجائزة عن روايته الأولى فحسب.

أسامة الصغير: يرتبط هذا التنوع في نظري بالتغيرات القيمية الكبرى في المغرب متفاعلا مع التغيرات التي تطرأ على العالم، بحيث كلما ظهرت قيم جديدة إلا وتقلصت قيم أخرى أو اندثرت، نستحضر هنا تعدد وسائط التواصل ودورها في تسريع التحو ل القيمي، وهو ما يعني ظهور إبدالات واختيارات جمالية وفنية جديدة على مستوى الشكل والمحتوى قد يقدم عليها الكاتب الكلاسيكي القادر على المواكبة، لكن بالتأكيد يقتحمها الكاتب الشاب لأنها تعكس روح المرحلة التي نما فيها وعيه وإدراكه الثقافي والجمالي.

p هل تعتقد أن هذا الحضور يقدم خدمة للأدب المغربي بصفة عامة، أم أن ذلك لا يتعدى التعريف بالروايات التي وصلت إلى قوائم الجائزة وبأصحابها؟ كيف ذلك؟

عبد المجيد سباطة: قدمت الجوائز خدمة كبيرة للأدب المغربي والعربي بشكل عام، بالتأكيد تطور مسار الرواية العربية، وخلق هذا التنافس زخما وتنويعا وتجديدا في الأساليب والتقنيات والمواضيع المطروقة في الأعمال الروائية، ولكن يعاب على هذه المسابقات خلق فئة من كتاب الجوائز، ممن يكتبون وفق مقاسات معينة، بما يضرب فكرة الإبداع في مقتل. وعلى هذا الأساس، أؤكد بأن الجوائز قد خدمت الأدب المغربي، وقدمت لنا إما أقلاما مبدعة جديدة، ربما ما كانت لتبرز لولا فوزها أو بلوغها مراحل متقدمة من التباري (مع التحفظ طبعا على كلمة التباري إبداعيا)، أو أقلاما مكرسة سعت للخروج من «منطقة راحتها» وتجديد حيوية حبرها، لكنني موقن باستحالة البناء على التطور الأدبي المغربي من منظور الجوائز فقط، ما دام الأمر خاضعا لعدة اعتبارات قد تكون الجوائز تتويجا لها، لا جزءا منها في معظم الأحيان.

أسامة الصغير: كما لا يخفى فموضوع الجوائز العربية ملتبس، لأنه لا ينفصل عن الواقع الثقافي العربي في التباسه العام، لكن هذا لا يعني تسفيه دور الجوائز، فبغيابها لا شك أن أصوات الشجب والغضب كانت ستأتي من كل حدب وصوب، لذلك فإن صدى الجوائز، على بعض علاتها، يؤشر بأن الكتابة قد تحدث صوتا وحركة، ومما لا شك فيه أن الجوائز تسهم في التعريف بالكاتب وتلفت إليه انتباه القارئ ووسائط الإعلام ذات الاهتمام، وتحفز الكاتب وأقرانه على تطوير الذات وتعميق التجربة الإبداعية حفاظا على المكانة الرمزية، وهذا ما حدث مع بعض الأسماء العربية. من جهة أخرى فإن الجوائز، حين يساء تلقيها قد تجني على الأدب والأديب، فإما أن تقتل الجائزة صاحبها، فكثير من الكتاب ماتوا إبداعيا ورمزيا بعد تتويجهم. وإما أن تحرف الإبداع عن مواضعه، بأن تعلي من شأن الرداءة وتصنع أصناما، وهو ما سقطت فيه الجوائز في بعض الدورات عربيا ومغربيا.

 باعتبارك واحدا ممن بلغوا القائمة القصيرة للجائزة في دورتها لسنة 2021، عن روايتك «الملف 42»، ما الذي أفدته من هذه التجربة؟

عبد المجيد سباطة: أعتبر وصول روايتي «الملف 42» الصادرة عن المركز الثقافي العربي، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر دورة 2021، تجربة متميزة للغاية، شكلت بالنسبة لي دافعا لمواصلة الإبداع، والإيمان بأنني قادر على تقديم المزيد، خصوصا بعد «خيبة» صدور الرواية شهرا واحدا قبل دخولنا حجرا صحيا فرضته الجائحة، وقتها أيقنت بأنها رواية سيئة الحظ، بعدما حرمت من حقها في الانتشار والترويج وحفلات التوقيع، لكن الترشح للجائزة مثل خير تعويض، ما دام الهدف الأساسي بالنسبة لي وصول الرواية إلى قراء جدد، والتعريف بعدد من المواضيع والقضايا والأفكار التي ناقشتها الرواية، أشهرها ربما قضية الزيوت المسمومة التي طواها النسيان، فكانت إعادة إحيائها هدفا أعتقد بأن البوكر قد أعانتني على تحقيقه، خصوصا وأنها الآن في طريقها إلى الترجمة إلى اللغة الإنجليزية بدعم من الجائزة.

 شكلت دورة 2010، الدورة الوحيدة إلى حد الآن التي فازت فيها رواية مغربية بجائزة البوكر (القوس والفراشة للأشعري مناصفة) ما هي في نظرك حظوظ رواية «أسير البرتغاليين» للكاتب محسن الوكيلي، في تكرار هذا المنجز برسم الدورة الحالية للجائزة؟

عبد المجيد سباطة: أعرف الصديق والمبدع محسن الوكيلي منذ سنوات، وأعتبره تجسيدا فعليا للتعبير الذي لطالما سمعناه عن «المبدع الذي يشتغل في صمت». هناك بين كتب مكتبة المؤسسة التعليمية التي يشتغل بها، قرأت بعض أعماله قبل «أسير البرتغاليين» وأدركت أن تجربته المتميزة والمتفردة تستحق أن يتم الاحتفاء بها، وكنت سعيدا للغاية بوصوله للقائمة الطويلة ثم القصيرة للجائزة، وأيضا اهتمام القراء وإشادتهم بالرواية المرشحة. أعتقد بأن المنافسة هذه السنة صعبة للغاية، والحضور الإعلامي لبعض المترشحين يبدو أقوى، ولا يمكن التنبؤ فعليا بهوية الفائز، لكنني مؤمن بأن النص الممتاز قادر على فرض كلمته، لذلك أتمنى من كل قلبي أن تكون البوكر مغربية هذه السنة.

أسامة الصغير: اكتسب محسن الوكيلي خبرة سردية وجمالية من خلال كتاباته السابقة، بالتالي فرواية «أسير البرتغاليين « تنطلق من عدة ودربة إبداعية، استند فيها الكاتب على التخييل التاريخي وكيمياء القرن السادس عشر، حيث استلهم روح شهرزاد التي تشكل إرثا جماليا إنسانيا، فالناجي البطل السردي المغربي الأسير، آثر الحكي في وجه الإفناء على يدي الآسر البرتغالي بيدرو، ونحن نعلم أنه ليس من السهل توظيف التخييل التاريخي في الكتابة الإبداعية. أما الكاتب هنا فهو مطلع على التاريخ بحكم تخصصه الجامعي، وصاحب ألفة مع فن القصة القصيرة والمسرح، لذلك جاءت حواراته قويمة مقنعة، وجملته السردية وامضة مسبوكة شفافة، بلا زوائد سردية. لم أطلع بعد على باقي الأعمال ضمن القائمة القصيرة لأقارن بينها. يبقى للجوائز منطقها الداخلي وخصوصياتها التحكيمية، لكن من الوارد أن تظفر « أسير البرتغاليين « بالجائزة.


الكاتب : أجرى الحديث: عبد اللطيف أبي القاسم

  

بتاريخ : 19/05/2022