«ملاكان وشيطان» رواية المعذبين والمحرومين في المجتمع

 

 

 

نطالع بشغف رواية « ملاكان وشيطان « للروائي المغربي الجميل صلاح الدين اقرقر الصادرة عن دار «كتوبيا» المصرية بالإسكندرية، سنة 2018، وهي الرواية الثانية بعد روايته الأولى « وإذا الأحلام وئدت» التي عالج فيها قضايا التغيير في ثورات الربيع العربي.

عندما تطالع الرواية لأول مرة ستعتقد أنها رواية من الخيال العلمي، أو رواية رعب وفانتازيا تساير موجة العصر، وتقلد روايات أحمد خالد توفيق، المليئة بالإثارة والتشويق، لكن الأمر عكس ذلك تماما. فالكاتب يعالج قضايا اجتماعية مرتبطة بواقع المجتمع المغربي، وما تجذر في ثقافتنا من تقاليد وعادات وقيم راسخة، تشبث بها الناس حتى لو كانت مخالفة للمنطق والعقل والقانون، وهي تخوض في قضايا تزويج القاصرات والتبرك بالأولياء والسرقة
والاغتصاب والقتل والاختطاف واستغلال الأطفال وبيعهم وتبنيهم…
لقد كان الكاتب موفقا في اختيار عنوان روايته :» ملاكان وشيطان»، والذي ارتضاه ليكون تعبيرا عن موضوعها الأساس، وعتبة ممهدة لموضوع انشغالاته. ويكمن العنوان في تلك العلاقة الخفية بين الملائكة والشياطين وقد اختصره في الجزء الثلاثين، الموسوم ب : تحول الانسان إلى شيطان، وهذه العلاقة هي التي تحدد طبيعة الموضوع، حيث يبرر الكاتب العوامل الذي ساعدت الإنسان على تحوله إلى شيطان بعد أن كان ملاكا وحملا وديعا ليسوم الآخرين سياط عذاباته، بسبب عقد نفسية تولدت فيه وأثرت عليه طيلة حياته، تدفعه دفعا لارتكاب الجرائم الشنيعة تحت غطاء الدين والأعراف والتقاليد وسيلة لإشباع نزواته.
هذا البطل الشيطان، في صفة فقيه، بطل الرواية « سي الحسين» كما صوره الكاتب ببراعة. والبطل الآخر عادل الملاك المعذب الذي لا ذنب له في ما يحدث له بسبب الظلم الذي ألحقه به أهله، وجميع الضحايا المعذبين الذين خصص لهم الكاتب حيزا هاما في فصول الرواية.
رواية تبهرك بأسلوبها ولغتها الأخاذة  وطريقة تناولها للشخوص والأحداث، تنم عن وعي عميق للكاتب بقضايا مجتمعه، والكتابة رشيقة تشعرك بالرغبة في مواصلة القراءة والتهام صفحات الرواية رغم طولها، وقد اعتمد فيها صاحبها في تقسيم الفصول على التبويب الذي جعله يرتب أفكاره وعرضها بطريقة جيدة ليطلع عليها القارئ.
لقد ظل الكاتب وفيا لمنهجه، في معالجة القضايا الاجتماعية والالتزام بها، وجعلها  هدفا لكتاباته، منذ محاولته في الرواية الأولى ، فأصبحت الكتابة لديه وسيلة لتمرير بعض الرسائل الهادفة التي تحفظ المجتمع عنها وسعى إلى عدم الكشف عنها، بطريقة راقية تضاهي الفن النبيل، وهادفة تخاطب العقول وتدغدغ القلوب بريشة الأدب التي تسمو بشكل الخطاب لتحرره وتجعله مكشوفا للآخرين، وبالتالي تمثل وظيفة الأدب الحقيقية في توجيه تلك الرسائل العميقة التي تولدت من صلب قضايا المجتمع المغربي.


الكاتب : الحسين ايت بها

  

بتاريخ : 30/06/2021