«ملتقى الشارقة « يكرم قامات أدبية وفكرية مغربية

بنعبد العالي: الثقافة في المجتمعات المعاصرة تعمل افتراضا أكثر مما تعمل واقعا
التازي: الكاتب يتملك الواقع في صوره المتعددة باللغة والتخييل

 

 

يعتبر فعل التكريم ترسيخا لثقافة الاعتراف ونبلها، فهو نوع رفيع من التقدير الاجتماعي لا يقف فقط عند حدود الاحتفاء والسخاء، بل هو لحظة جماعية تدعونا إلى مراجعة كتابات وإبداعات الشخصيات المكرمة، والتأمل فيها من جديد وإعطائها مكانتها التي تليق بها باعتبارها مادة إبداعية تستحق كل هذا التكريم والاحتفاء.
من أجل ترسيخ ثقافة الاعتراف، عقد ملتقى الشارقة العاشر للتكريم الثقافي، مساء الأربعاء 21 شتنبر الماضي، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل برحاب المكتبة الوطنية للملكة المغربية بالرباط، نشاطا تكريميا احتفت من خلاله دائرة الثقافة عن حكومة الشارقة بكل من المبدعين المغربيين المفكر والفيلسوف عبد السلام بن عبد العالي والكاتب والروائي محمد عز الدين التازي، عرفانا بما قدماه من أعمال جديرة بالتكريم والاعتراف.
وفي كلمة ألقاها عبد الاله عفيفي الكاتب العام لوزارة الثقافة والشباب والتواصل، بالنيابة عن الوزير الوصي عن القطاع، عبر عن سعادته بالمشاركة في ملتقى الشارقة للتكريم الأدبي الذي تنظمه دائرة الثقافة بحكومة الشارقة في إطار شراكة متعددة ومفتوحة تعكس حجم التآخي بين الدولتين .وقد اعتبر المتحدث أن التكريم اليوم هو بمثابة لحظة متميزة للاحتفاء بالثقافة المغربية من خلال تكريم رمزين من رموز الثقافة المغربية كتتويج لشراكة فاعلة ومتواصلة ما بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة بدولة الإمارات .
بدوره، عبر عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في حكومة الشارقة عن مدى اعتزازه بأواصر العلاقات الأخوية التي تجمع بين الإمارات والمغرب في مختلف المجالات بما فيها هذه المناسبة الثقافية وهي «ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي» والذي ينعقد في دورته العاشرة وللمرة الثانية بالمغرب ليمثل نموذجا حيا للتعاون الثقافي العربي الذي نتج عنه العديد من اللقاءات الثقافية والأنشطة المتنوعة، مشيدا بتكريم كل من الأستاذين ذ.بنعبد العالي وذ. التازي تقديرا لجهودهما في خدمة الثقافة العربية.
وكما دأب أهل التكريم على تقديم شهادات مؤثرة في حق المحتفى بهم، قدم ذ. محمد أيت حنا وهو طالب سابق للأستاذ بنعبد العالي، وهو بالمناسبة كاتب ومترجم، شهادة حية في حق أستاذه واصفا إياه بالرجل الذي يترك عظيم الأثر حيثما يضع يده، القادر على السباحة مع التيار وضده، فلا يعني ذلك غياب الموقف أو الاتجاه لكن عدم الركون إلى اليقينيات، وأن لعبد السلام بنعبد العالي قدرة هائلة على إعادة التفكير وابتكار الذات ابتكارا لا يتوقف أو ينتهي، باعتبار التفكير والفلسفة مشروعا مفتوحا لكن ضمن برنامج ما انفكت ملامحه تتضح على مستوى الشكل والأسلوب والموضوع، فشكلا ما انفك الأستاذ بنعبد العالي يمارس نوعا من الكتابة التي وصفها المتحدث أيت حنا، بالكتابة التي كانت حتى وقت قريب تصنف في خانة الكتابة الوقحة، كتابة لا تلقي بالا إلى ثقل المعارف المتعارف عليها أكاديميا، ذلك أن المكرم بدأ مسيرته الأكاديمية برسالة تتقصى أصول الميتافيزيقا الغربية المعاصرة واقفة على ما يشوبها من فراغ وما يتحرك فيها من تعدد واختلاف، يساير مسار التفكير القلق الذي يميز عبد السلام بنعبد العالي، ومن بين أهم ما تعلمه الطالب عن أستاذه، أن الأمر لا يتعلق في الفلسفة برسم أفكار ومواقف وشرح نصوص وتعليق عليها بقدر ما يتعلق بتحريك النصوص والمتون لتفصح عما لا تدركه هي نفسها، مشيدا بالأستاذ بنعبد العالي الذي يحمل تفكيرا على نحو مغاير، وأن له ممارسة أسلوبية تطال كل مناحي الوجود في إطار كتابة قلقة لا يهمها أن توضح و تشرح أو أن تفسر وتعلق، بقدر ما يهمها أن تكون ممارسة منتجة وأن تكون جزءا من فعل التفكير نفسه لا مجرد شكل مضاف إلى المضمون.
بدوره، اعتبر الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، أن هذا التكريم هو تكريم أخلاقي محفز على العمل والمثابرة، ويمكن أن يعتبر اجتماعيا نوعا من أنواع الاعتراف ولكن في الوضع الذي تعيشه الثقافة في المجتمعات المعاصرة حيث تعمل افتراضا أكثر مما تعمل واقعا، وحيث توجد مختفية مختبئة وراء قنوات وسائطية أو شبكات مجهولة الاسم، ويرى بأن التكريم يغدو في حالة أخرى، وسيلة لإعطاء أسماء لتلك الثقافة المجهولة الاسم، وأن وراءها أسماء فاعلة من حين لآخر، كما لم يفته المقام أن يشكر دائرة الثقافة في حكومة الشارقة لأنها اقترحت اسمه من بين الأسماء المكرمة والتي حرصت على تكريمه ضمن المكرمين عن فئة الثقافة المعاصرة.
في السياق ذاته، تم تكريم الكاتب والروائي عز الدين التازي الذي راكم تجربة مهمة في عوالم القصة والرواية والنقد، والتي جاوزت السبعين عملا، حيث قدم الكاتب والناقد نجيب العوفي كلمة في حق الروائي المغربي المحتفى به محمد عز الدين التازي، الذي أشاد بخطو ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي من خلال مغربة التكريم في هذه الدورة العاشرة بتكريم كاتبين وازنين ومتميزين وهما الكاتب المفكر عبد السلام بنعبد العالي والروائي والقاص المبدع محمد عز الدين التازي، هذا الأخير الذي اعتبره الناقد العوفي اسما من العيار الثقيل والعريق لكاتب ماراطوني النفس والقلب، أعطى كما زاخرا زاهرا من العطاء الأدبي منظورا في جودة أدبية ولغوية وبنائية راقية في الكتابة ،فهو إذن كم معرف بالكيف بتجويد وتجديد الكتابة ونادرا ما تستقيم هذه المعادلة الصعبة لدى الكتاب والمبدعين، معتبرا أن التازي كاتب عابر للأجيال ومبحر في أرخبيل الكتابة والإبداع، هذا الأرخبيل الفسيح الذي خبره قاصا وروائيا وناقدا باحثا وكاتبا لأدب الطفولة، وهو الطفل الدائم الساكن في عمقه وطويته، كل هذا يترجمه حسب ذ. العوفي، الكم الوفير النمير لكتابات التازي وكأن الرجل ناسك في محراب الكتابة، فالكتابة بالنسبة إليه ليست مجرد تعبير عن قضية ما، بل هي جمالية الحياة التي تجعل من الأدب أدبا، وهكذا تغدو الكتابة عند التازي قسيما للحياة أو بالأحرى حياة في الحياة، أو ربما حياة مضاعفة… حيث وصفه ذ. نجيب العوفي بأنه يسير على خطى خله وشيخه غابريال كارسيا ماركيز يحيا ليكتب ويسرد.. ويكتب ويسرد ليحيا. وقد اختار التازي، وهو سليل الحداثة، الكتابة في أشهر وأخطر شكلين أدبيين حداثيين وهما القصة القصيرة والرواية من حيث كان الشعر يطرز لغته واستعاراته، وقد اختار التازي القصة باعتبارها كبسولة العصر الإبداعية النووية كما قال ذ. العوفي، والشكل المطابق للهوامش الاجتماعية المشتتة والمنعزلة حسب العروي، كما اختار الرواية باعتبارها ملحمة العصر والأزمنة الحديثة حسب هيكل ولوكاتش، ولأنها توسعها فسحة الكتابة والبوح والغوص في ما سطرته القصة القصيرة إيماء وتلميحا، كما كان التازي منحازا لقيم جيله التنويرية الحداثية ومنحازا في المقابل لجمالية الحداثة وشعريتها الاختراقية ما بين السطور وخلفها.
بدوره قدم الروائي والكاتب المحتفى به د. محمد عز الدين التازي شكره لدائرة الثقافة في حكومة الشارقة على هذه المبادرة ، معبرا عن تجربته الطويلة في الكتابة رغم كل أنواع القهر والمصائب في بعض اللحظات خاصة ما سماه بالقهر الاجتماعي والسياسي، حيث واجه كل ذلك باللغة والتخييل محاولا تملك هذا الواقع في صوره المتعددة والمتباينة وإن شكل ذلك كله في قالب إبداعي تخييلي وجمالي، حيث اعتبر أن الهم الاجتماعي والسياسي يشغلان كل أفكاره وأنه كان متابعا دقيقا للأحداث كما كان يحاول دائما ألا يقع في فخ الواقعية الفجة وفي التسطيح وفي الكتابة المناسباتية، بل كان دائما يسعى إلى البحث عن رؤية جمعية ثقافية اجتماعية سياسية تتأمل الحياة والموت والإنسان والكون. وأن الكتابة أصبحت بالنسبة إليه عشقا أمام قسوة الحياة ومرارة الواقع ، وبديلا لكل هذه الإحباطات التي عشناها، بل أصبحت كذلك مساحة للحرية من خلالها ينفذ التازي إلى فهم الواقع بتجلياته ومظاهره المتعددة ومن خلالها أيضا، يحاول أن يضفي طابع الإبداع والشكل على هذه الكتابة في انخراط تام للتأمل في الواقع والوعي به في كل تمظهراته .


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 24/09/2022