نظام التوجيه المدرسي بين الإصلاح والإخفاق

بعد فرحة نيل شهادة البكالوريا، يبدأ هاجس البحث عن تكوين مناسب يلائم طموح وميول كل خريج، وهي فترة ترهق الطلبة والآباء على حد سواء، لتتحول الفرحة لنكبة، وذلك راجع لاستيقاظ جميع الأطراف أشهر أو أسابيع قبل اجتياز الامتحان الوطني، وتشتد حدة هذا الوضع مع ضعف التوجيه المدرسي بالمغرب.
خلافا لما هو شائع، لا تقتصر عملية التوجيه على الشهور الأخيرة من السنة الثانية لمستوى الباكالوريا، وإنما هي سيرورة تمتد وتغنى طوال المسار الدراسي للتلميذ، بدءا من المرحلة الثانوية الإعدادية، ليستفيد التلميذ من محطاتها المختلفة، من خلال انفتاحه على آفاق متعددة، مما يجعل عملية اختياره أسهل عند استلامه لشهادة الباكالوريا.
هذا ما أكده الخبير التربوي رشيد شاكري، بقوله إن معظم التلاميذ الذين نالوا شهادة البكالوريا، لا يملكون مشروعا شخصيا ومهنيا، ولم يحددوا رغباتهم وأهدافهم بعد، وفي ظل هذا التيه، تحضر رغبات الآباء وطموحاتهم الشخصية، فيفرضون على أبنائهم تكوينات قد لا تتوافق مع طموحات أبنائهم وقدراتهم، مضيفا أن عملية التوجيه في المغرب غير مبنية على رؤية شمولية، لعدم مرافقتها للتلميذ منذ التعليم الابتدائي وصولا إلى الثانوي التأهيلي.
ويقوم التوجيه المدرسي على تقديم وتوضيح مختلف الشعب والمسالك العلمية والتقنية والأدبية، التي يمكن أن يتبعها الطلاب خلال دراستهم بشكل يتوافق مع توجهاتهم ومختلف شخصياتهم. فدور التوجيه المدرسي لا يقتصر فقط على تيسير عملية الاختيار للتلاميذ، بل هو وسيط بيداغوجي وأحد الدعائم الأساسية لنجاح عمليتي التعليم والتكوين، يتجنب بها الطالب تضييع سنة أو أكثر في تكوين لم يحسن اختياره
وينتج عن نجاح العملية واختيار المتعلم تكوينا يلائم قدراته وكفاءته، ضمان استقراره الأكاديمي والنفسي ونجاح بمساره المهني في ما بعد.
وترسل الوزارة للمدارس موجها تربويا بين شهري أبريل وماي، يجتمع مع كل التلاميذ في آن واحد، متحدثا عن التخصصات المتاحة عموما، دون النظر إلى احتياجات وانشغالات كل تلميذ على حدة، وحسب الأستاذ شاكري فالعجز في أطر التوجيه هو ما يصعب عملية المواكبة الفردية لكل تلميذ، حيث كمعدل وسط، ثمة أكثر من أربعة آلاف تلميذ لكل موجه واحد.
ولهذا أصدرت الوزارة الوصية في أكتوبر بتاريخ 8 أكتوبر 2019 مذكرة تحت رقم: 114/19، بشأن إرساء العمل بمبدأ «الأستاذ الرئيس»، انسجاما مع الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، والمادة 34 من قانون إطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بهدف توفير خدمة المواكبة التربوية المنتظمة للمتعلمين، لضمان نجاحهم في مساراتهم الدراسية والتكوينية، وإكسابهم مجموعة من المعارف والمهارات والكفايات التي تساعدهم على بناء وتوطيد مشاريعهم الشخصية، وتمكينهم من اتخاذ القرارات والاختيارات السليمة.
ويتولى الأستاذ الرئيس تحت إشراف مدير المؤسسة وبالتشاور مع إطار التوجيه التربوي العامل بها وبتشاور أفقي أيضا بينه وبين أساتذة القسم، المواكبة التربوية لتلاميذ الأقسام، في كل ما يتعلق بحياتهم الدراسية ومشاريعهم الشخصية.
إلى جانب حصص التدريس الأسبوعية المنوطة له، يقوم أيضا بمجموعة من الأدوار الأساسية، على رأسها مساعدة المتعلم على تشخيص وتجاوز تعثراته الدراسية، ومساعدته في الاندماج في الحياة المدرسية، وإنجاز أنشطة تربوية لفائدة المتعلمين لدعم قدراتهم على بناء وتكييف مشاريعهم الشخصية، وإبداء رأيه وتقديم توجيهاته حول سير العمل الذاتي للمتعلم بخصوص مشروعه الشخصي.
وفي هذا الصدد نظمت الوزارة السنة الفارطة أياما تكوينية بشتى ربوع المملكة لفائدة الأطر التربوية بسلك الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، قصد تأهيلهم لمزاولة هذه المهمة الجديدة مستقبلا، في ثلاثة أيام تكوينية بعنوان «المواكبة التربوية للمشاريع الشخصية للمتعلمات والمتعلمين»، أشرف عليها مستشارون في التوجيه التربوي.
لكن سرعان ما توقف المشروع فور تبادل الحقائب الوزارية وانقسام الوزارة، ليصبح «الأستاذ الرئيس» مصطلحا غزا المشهد التربوي لفترة من الزمن واندثر كسابقه لغياب التنزيل الفعلي له، وقد لاقى المشروع قبل ذلك انتقادا واسعا من طرف الأطر التربوية، حيث يرى بعضهم أن هذه المهمة لا تدخل ضمن تخصصاتهم، فيما وجد آخرون صعوبة ممارستها لضيق الوعاء الزمني المخصص لها، والمناوبة بينها وبين مهمة التدريس، ما يجعلها مهمة صعبة.
وأقر سعيد أمزازي، وزير التعليم السابق، بفشل نظام التوجيه المدرسي الذي كان متبعا خلال السنوات الماضية، محملا إياه مسؤولية الهدر في صفوف طلبة التعليم العالي.
وفي عهد الوزير المذكور، انكبت الوزارة على صياغة مشروع مرسوم محدد للتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، والمتعلق بمصاحبة المتعلم ومساعدته على تحديد اختياراته في مساره التعليمي، وتوفير الدعم البيداغوجي المستدام له.
وأصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، السنة الفارطة، الرأي2021/7 بعنوان «رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول مشروع مرسوم بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي»، طالب فيه بإرجاء إصداره إلى حين تحقيق مجموعة من الشروط اللازمة لإعداده، ويرى المجلس أنه لم يستوف توجهات ومقتضيات الإصلاح كما ينص عليه القانون-الإطار، والقاضية بالمراجعة الشاملة لنظام التوجيه. داعيا إلى اتساق مجموع مكونات الإصلاح البيداغوجي، عبر الأخذ بعين الاعتبار المستلزمات القبلية والضرورية لبلورة نظام جديد للتوجيه في صيغته الحاملة لمشروع الإصلاح، ومراعاة الخيارات الجديدة للسياسات العمومية لتفعيل الإصلاح التربوي.
ويبقى مسلسل إصلاح نظام التوجيه مستمرا لأجل غير مسمى، في ظل تعثر تعود أسبابه إلى غياب مشروع إصلاح حقيقي تتبناه وتساهم في صياغته كل الأطراف، وجعله آلية لتحقيق النجاح المدرسي والاندماج المهني والحياتي.

(*) صحفي متدرب


الكاتب : أمين التومي(*)

  

بتاريخ : 05/05/2022