إحداث المزيد من المؤسسات الصحية في غياب «خريطة عقلانية» يعمّق جراح الخصاص في الموارد البشرية

يتسبب في إفراغ القطاع العام من مهنييه وفي تراجع أدواره

يتسع العرض الصحي في بلادنا يوما عن يوم بإحداث المزيد من الوحدات الصحية وتعزيز البنيات الاستشفائية في القطاعين العام والخاص على حد سواء. وإذا كانت هذه الخطوة مهمة من أجل تفعيل الحق في الصحة الدستوري وبالتالي توفير الخدمات الصحية المختلفة، الطبية منها والجراحية، لفئات عريضة من المواطنين؛ وإن كان تمركزها في مناطق بعينها دون أخرى وفي غياب خريطة صحية حقيقية يطرح سؤال العدالة الصحية المجالية؛ فإن توفير الموارد البشرية القادرة على الاشتغال في هذه المرافق بالعدد الكافي يعتبر تحديا كبيرا يُغلّب اليوم كفّة قطاع على حساب قطاع آخر، ويخدم فئة من المواطنين على حساب فئة أخرى، وفقا لتصريحات العديد من الفاعلين الصحيين والمهتمين بالشأن الصحي.
ملاحظة تفرض نفسها بقوة، خاصة أن معدل الخصاص في الموارد البشرية الصحية في المغرب يعتبر كبيرا، ويقدّر بـ 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض وتقني للصحة، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الخريجين من كليات الطب والصيدلة كل سنة الألفي خريج، مما دفع بإعادة النظر في سنوات التكوين بتقليصها، كما يزيد من تعميق الجراح هجرة الأطباء نحو الخارج بمعدل 600 طبيب في السنة دون احتساب الممرضين، فضلا عن التقاعد الذي يرفع بدوره من منسوب العطب الذي تعاني منه الموارد البشرية.
وضعية تدفع العديد من المهتمين بالشأن الصحي إلى إبداء قلقهم وتخوفاتهم من استمرار هذه الأزمة، التي لها تبعاتها على المؤسسات الصحية العمومية تحديدا، لأن العديد من هذه البنيات التي تم إحداثها لم تتمكن من فتح أبوابها في وجوه المرضى والاشتغال رغم تجهيزها بكل المعدات البيوطبية والتجهيزات التقنية الضرورية بسبب افتقاد العنصر البشري، ولأن هناك تحديا ثانيا يطرح نفسه بقوة وهو العزوف عن «الوظيفة الصحية العمومية»، ففي الوقت الذي غادر فيه البعض المغرب نحو دول أخرى فإن مهنيين للصحة يشتغلون في القطاع العام اختاروا الاستقالة وقبلها المغادرة الطوعية، في حين أن آخرين ممن تم رفض استقالاتهم قاطعوا العمل بالمستشفيات بشكل كلّي من أجل حث المسؤولين على قبولها، للتوجه للعمل صوب القطاع الخاص. أي أن المزود الأساسي للمجموعات الصحية الخاصة بالموارد البشرية بات هو القطاع العام، الذي تتسع دائرة فقر مهنييه عدديا يوما عن يوم، مما يؤدي إلى البعد الزمني للمواعيد وتأجيل العديد من التدخلات الصحية، بسبب الارتفاع الكبير للطلب وقلة أعداد المهنيين!
مؤسسات ومجموعات صحية خاصة، تفتح أبوابها في مناطق مختلفة، تستقطب خريجي المعاهد الخاصة الذين لا يتقدمون للتباري في المناصب المالية التي تفتحها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ونفس الأمر بالنسبة لعدد مهم من المشتغلين في القطاع الصحي العام، مما يتسبب في إفراغ المستشفيات والمؤسسات الصحية العمومية من مواردها البشرية، ويجعل القطاع العام يتراجع عن موقعه الذي يجب أن يكون فيه، باعتباره قاطرة للصحة في بلادنا على أن يكون القطاع الخاص شريكا ومكمّلا، لا أن يصبح هذا الأخير أساسيا، حتى في ظل تعميم التغطية الصحية، بما أن قسطا كبيرا من النفقات الصحية تظل على عاتق وكاهل المرضى بسبب عدم مراجعة التعريفة المرجعية.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 05/12/2022