يروم تفكيك أنساق العلامات والتصورات والأيقونات «الانشعاب المرآوي في الرواية» للدكتور الشرقي النصراوي

 

يعتبر كتاب «الانشعاب المرآوي في الرواية» لصاحبه الباحث والسيميائي د. الشرقي النصراوي، آخر منجز نقدي له والذي حاول من خلاله استنطاق الرواية، سيميائيا، بآليات الانشعاب المرآوي، مسلطا الضوء على طرائق التحليل السيميائي لجنس الرواية باعتبارها كونًا لغويًا متعدداً، دون الاكتراث بالقضايا النظرية التي تحولت إلى معضلة بحثية عند كثير من الباحثين لأنها لا تترك شخصية الناقد تظهر بالمرة، وذلك عن طريق البحث في البقايا والانشطارات واللغات والحوارات والأبعاد الهووية المختلفة الموبوءة في خطاب الرواية المغربية، وبعض النماذج العربية حيث كان الرهان الأكبر هو ملحمة تطبيقية؛ تراهن على حدود التماس بين مكونات النص الواحد برؤية وخلفية تطبيقية تجنح إلى مساءلة جوهر النص الأدبي، باعتباره رؤية ومدى بصريا، وباعتباره نواة مورفولوجية متميزة بطابع التعدد والاختلاف.
هذه الرؤية نفسها، يقول د. نصراوي، هي التي تسير على نهجها كتبي الأخرى: «الحق في الثقافة الشعبية مقاربة سيميائية» وكتاب «سيميوطيقا الخطاب الروائي». وأتمنى أن يجد القارئ في هذه الأعمال التي ستظهر تباعًا، أهم الخطوات الإجرائية التي ينبغي تملكها للقيام بتشريح داخلي للرواية».
يحاول د. نصراوي في هذا الكتاب، تشريح أهم الروايات التي دخل معها في حوار نقدي، وحققت أفقًا مختلفًا على مستوى الرؤية المنهجية، والأساليب الشكلية التي استثمرها على مستوى جدل الكتابة، وعلى مستوى الأبعاد المرآوية والانشطارية للمكان باعتباره يندمج مع مكونات أخرى، لتحقيق تعددية أسلوبية وحوارية.
ويرتبط الانشعاب المرآوي بتعدد العناصر الفاعلة في الخطاب الروائي، هذه العناصر تشمل الخطاب الإطار، والخطاب الهامشي. وهذه القضايا التي تجمع بين الأقوال والأفعال؛ تسهم في تذويت الكتابة الروائية، وتُعدد من المستويات المرآوية من خلال انشعاب اللغات التي تتأرجح بين أنماط فردية وجماعية، أحادية ومتعددة.
إن انشطار السرد يشمل في رواية الانشعاب مجموعة من الأشكال التي ترتبط في جزء منها بذاكرة السارد، وتفاعلية السرد، وأنماط الجملة السردية. أما انشعاب الفضاء المكاني الذي يمشي قوة إيحائية ورمزية تساعد على كشف العلاقات بين السارد، وكل العوامل التي تتحرك في جسد الخطاب الروائي.
يعتبر الكتاب محاولة لاستكشاف المكونات والسياقات والمقامات البلاغية والكلامية التي تحدد البنيات السردية والخطابية، وتخدم مقاصد العلاقات الانشعابية مع القارئ في مقصديات مختلفة. ولهذا كله تميل هذه المقاربة إلى الكشف عن أسلوب الاعتقاد، وفعل الاعتقاد، وإلى تحليل كل الأبعاد الإيحائية التي تتمظهر في حيوات متعددة؛ إما على لسان الكاتب الضمني، أو الشخصيات الورقية.
إن الكتاب مرة أخرى، هو محاولة متواضعة لتفكيك أنساق العلامات والتصورات والأيقونات التي تمور على شكل رموز، وأقنعة، وعلامات دالة، وتحليلها حسب رؤية منهجية.
قدم الباحث هنا ممارسة منهجية، تؤمن بأن الوحدات الدلالية تتداخل في ما بينها في تناسق ملحمي؛ مما يولد مسارات سردية، على المستوى السطحي والعميق، تتميز بأثر المعنى وأثر الحقيقة… وعلى القارئ تتبع هذا الكتاب في مفاصله الكبرى؛ حتى يتسنى له فهم ما يمور داخل اشتباكات الرواية وانشعابها من علامات وأنساق مراوية، تجعل المعاني متداخلة ومتراكبة في ما بينها.
يمكن القول إن هذا الكتاب، قد قدم منحىً تحليليا يؤمن بأن الرواية عالم لتداخل أسئلة وأجوبة، وهو ما اصطلح عليه سيميائيا: خطاب المحادثة. والكتاب أيضًا محاولة لتقديم رؤية تحليلية تؤمن بأن المنهج، باعتباره ممارسة نقدية، يخضع – كما كل الأشياء – للاستثمار الجيد، ويترك ما هو غير صالح. ومحاولة مراوغته يجب أن تتم من داخل أصوله؛ للوصول إلى علاقات ممتدة بين النظري والتطبيقات المختلفة له؛ لذلك حاولت قدر الإمكان التعامل مع الرواية باعتبارها خطابا للذة والمتعة من جهة، وخطابا للمعرفة وخلق جسور قوية بين أجناس وطرائق تعبير مختلفة من جهة أخرى.
إن كل شيء دال، ويرتبط في جزء منه بقضايا التخييل الروائي، وصنعة المتخيل؛ لأن هذا الأخير يسهم في احتمالات عدة؛ بين اليومي والتاريخي، وبين الاجتماعي والفانطاستيكي… لهذا كله تنفتح الكتابة الروائية في هذا الكتاب على خصوصية ثقافية ومنهجية وفكرية، تُحوّل النص إلى نص دلالي وإيحائي متميز بالجودة والتراكم الكمي والكيفي، حيث حاول الباحث نصراوي تقديم رؤية تطبيقية تحليلية على مجموعة من الروايات وكان التركيز منصبا على استنطاقها، باعتبارها رؤية سردية وخطابًا غنيًّا ودسمًا بمجموعة من العناصر التي تتداخل في ما بينها؛ للتعبير عن التعدد الانشطاري على مستويات تشمل:
المسارات السردية.
القيم السوسيوثقافية.
بنية العوامل.
تداخل الكتابة.
إن خطاب الانشعاب في الرواية المغربية هو الكل الدال المعتمد على عناصر التذويت اللغوي كمكون جمالي وتعبير إيحائي؛ يغذي البنيات الجزئية بأكوان دلالية ومعرفية ويسهم من جهة ثانية في تشييد مطبخ المعنى.
لقد استطاعت رواية ما بعد الحداثة أن تسلط الضوء على مفاهيم جديدة وخصائص سردية متنوعة تشمل مفاهيم الوصف والسرد والعلائق المتداخلة التي تهم الأنساق والعلامات، والأبعاد الثقافية المختلفة، دون نسيان التعدد الحواري، والصور المتآلفة والمختلفة التي تكون روح الكتابة الروائية الملتزمة بالتجديد شكلا ومضمونًا.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 18/09/2023