كلمة إلى السيد الرئيس عبد المجيد تبون (2)

مصطفى خُلَالْ

 

فخامة السيد رئيس الجمهورية الجزائرية،
ما دامت فخامتكم يحلو لكم كلما أثرتم الحديث عن بلادي، جاركم الغربي، المغرب، الرجوع إلى التاريخ، فلا تذكرون منه سوى السيء من الذكرى، فإني أستسمحكم في الاستنجاد بالتاريخ أيضا مستنجدا بما هو منير في هذه الذكرى، التي لم يكن لوقائعها المجيدة، سواء في حملتكم الانتخابية أو وأنتم تعتلون كرسي رئاسة الجمهورية الجزائرية: وإني لأنتقي منها واقعتين بارزتين: واقعة هَبًةِ كل مكونات الشعب المغربي لنصرة حركة التحرير الجزائرية إبان مقاومتها للاستعمار الفرنسي، ليس عن طريق الدعم اللفظي، ولا عن طريق دعمها بتيسير وصول الأسلحة لها، ولا بتيسير إقامة العديد من قادتها ومكافحيها، فقط، بل بالمال أيضا الذي أسهم فيه الجميع بمن فيهم الفقراء في المدن والقرى وأقصى المداشر والجبال. وما زلت أذكر، وأنا طفل صغير السن، لا أعي ما يجري حولي، أحاديث الناس وهم يتحمسون لجمع الهبات حتى أن النساء كن يمنحن أساورهن حرصا منهن ألا يتخلفن عن دعم من كانوا يسمونهم (معاونة لخوتنا الجزائريين)، ولكم أن تتأملوا الحمولة العاطفية للعبارة وتستبطنوا شحنتها المدرارة. ولم يكونوا يمنون ذلك. كان ذلك في لحظة حصل فيها المغرب على استقلاله، وهنا أحيلكم على الواقعة الثانية التي كانت ترجمة لثلاثة أشكال من الدعم المغربي، الدعم الرسمي بقيادة الملك محمد الخامس، والدعم الشعبي بقيادة الحزبين الوطنيين المغربيين الموجودين تاريخئذ، والدعم الدبلوماسي بقيادة ولي عهده، والذي سيرث عرشه… ويصبح هو الملك الحسن الثاني.
وإني لألتمس من فخامتكم أن تعودوا إلى أرشيف تضامن المغاربة وكفاحهم من أجل حركة التحرير الوطنية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في بلدكم، كي تعيدوا إلى ذاكرتكم صوتا مغربيا مجلجلا في قاعة الأمم المتحدة في العام 1960 لدعم الثورة الجزائرية، لم يكن ذلك الصوت المجلجل سوى الخطاب المزلزل لشاب مغربي، ولي عهد العرش المغربي، ذاك الذي ألقاه في المنتظم الدولي ضد فرنسا الاستعمارية ودعما لثورة بلدكم ضد هذا الاستعمار، كان الخطاب باللغة الفرنسية، أنقل لفخامتكم فقرة واحدة منه: (نعبر عن أسفنا ومن جديد عن غياب الجزائر المكافحة ضمن الأمم الحاضرة، مؤكدين يقيننا مع كافة الشعوب التواقة للحرية أن شجاعتها ونضجها السياسي سيحققان لا محالة الاستقلال المقبل. وإننا لنثير انتباه المنتظم الأممي إلى انعدام التوازن الواضح وغير المفهوم في السياسة الفرنسية، التي رعت عضوية إحدى عشرة دولة لا تزال تحت وصايتها، في الوقت الذي تشن فيه أشرس حرب قمعية في الجزائر)، ثم توجه سموه بالخطاب إلى رئيس منظمة الأمم المتحدة قائلا: (السيد الرئيس، إن العديد من الشخصيات في العالم رفعت وترفع صوتها وباستمرار لتؤكد لفرنسا مدى شرعية وتمثيلية وقوة جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ليس فقط في تونس والقاهرة وموسكو ونيويورك، بل أيضا في وسط الحكومة الفرنسية ذاتها، حيث نجد رجالا يعترفون، بكل صدق، بتضامن جميع المسلمين مع جبهة التحرير، مؤكدين جميعهم أن استقلال الجزائر أصبح أمرا لا مفر منه، وهو ما يبين أنه آن الأوان للتفاوض الفوري مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لتنال الجزائر استقلالها…).
سيدي رئيس الجمهورية،
إن هذا هو التاريخ، الذي كان ينبغي لفخامتكم، كما لكل الرؤساء الذين سبقوكم، الاسترشاد به، لبناء الحاضر الذي تعرف فخامتكم مقدار الضرر، الذي ألحقته به عقيدتكم، عقيدة نسيان هذا التوجه الذي يمنعني مقامكم كرئيس للجمهورية أن أصفها – العقيدة – بالأوصاف التي تليق بها.
وهو ذات التوجه، الذي آمن به ورسخه، فلسفيا وأدبيا وثقافيا، عموم المفكرين والأدباء والمثقفين الجزائريين. أستسمحكم في الإشارة السريعة إلى نموذج واحد فقط، وهو المفكر العظيم محند تازروت، خلف هذا الفيلسوف عددا كبيرا من الأعمال الفكرية تترجم وعيا فلسفيا عميقا مسترشدا فيه بالتجارب الفلسفية والتربوية الغربية والألمانية خاصة، من أجل بناء إنسان ووطن شمال- إفريقي جديد تحكمه نزعة نقدية توجهها الوحدة المغاربية والديمقراطية الحقة والالتزام بقضايا الإنسان…أنظروا فخامة الرئيس في عمله الفكري الجليل: (مشكلات التعايش السلمي: الشر وعقيدة علاجه الممكن)، وانظروا في عمله الرائد:(التاريخ السياسي لشمال إفريقيا)، وانظروا في أطروحته ذات السبق الفكري: (البيان ضد العنصرية)، وانظروا أخيرا وليس آخرا في عمله: ( من أجل إفريقيا معاصرة)… وقد يدهش البعض من كتابه قوي الدلالة: (بعض الحيثيات المجهولة بخصوص التقارب الفرنسي الألماني)، والذي نشر في العام 1931، نعم حرر ونشر في هذا التاريخ الذي لا يخفى عليكم مغزاه.
نعم، وليس بدون دلالة أيضا أن هذا الفيلسوف والمترجم الجزائري الفذ عاش بين وطنين لأنه آمن بأنه وطن واحد، تدل على هذا ميلاده بالجزائر ووفاته بطنجة…
سيدي الرئيس،
إذا كنتم تؤمنون بالمصير المغاربي المشترك، الذي يتوقف على خياراتكم اليوم وغدا أنتم كجزائري، وعلى الجزائر وحدها، نعم وحدها، فإن كل أملي، أنا المهووس بفكرة الاتحاد المغاربي، أن أراكم تمنحون الأجيال المغاربية الحالية فرصة استيقاظ الوعي المغاربي الرشيد. أما الوعي الحالي، فأنتم تعرفون أي صفة ينبغي وصفه بها.
وتقبلوا فخامة الرئيس، احترامي.

الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 07/12/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *