محمد السادس: ملك البناء والمستقبل

نوفل البعمري

 

خطاب العرش لهذه السنة الذي جاء ليخلد مرور 22 سنة على تربع الملك محمد السادس على العرش، و22 سنة من قيادة المغرب نحو الإصلاح والنهوض به وبالمنطقة، بروح واعية بحجم المسؤولية الملقاة على عاهله في قيادة البلاد نحو المستقبل الذي لا يريده إلا أن يكون فيه المغرب أكثر وحدة، تقدما، ونهضة… هذا المستقبل الذي تجسدت ملامحه الأساسية في خطاب العرش لهذه السنة، مستقبل حدد الخطاب ملامحه بالعناصر الأساسية التالية التي يجب مواجهتها داخليا، وخارجيا…
المغرب على المستوى الداخلي:
قاد تجربة انتقاله الديموقراطي بنجاح، وقام بتمنيع نفسه ضد كل النزعات النكوصية وأصبحت الديموقراطية ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة، وهو ما جعل المغرب قويا في مواجهة تحديات كورونا الصحية والاقتصادية، هنا ذكر الملك في خطابه بمختلف التحديات التي اضطلع بها المغرب بقيادته لمواجهة الوباء خاصة ما يتصل منها بحماية الحق في الصحة والحياة، وقد كان لابد في لحظة امتنان ملكي أن يثني على دور القطاعين الصحي والأمني وصمودها طيلة السنة ونصف من هذه المواجهة الجماعية لكورونا، مما مكن المغرب من البقاء صامدا، ثابتا، وجنبه انهياره أمام الجائحة، هذه الجائحة التي لم توقف عقارب ساعة عمل لجنة النموذج التنموي التي أعدت وقدمت تقريرها لملك البلاد مستحضرة كل الإكراهات التي سيواجهها المغرب مستقبلا في ظل الصعوبات التي يواجهها العالم، هنا كان من دواعي فخرنا الجماعي أن ُيذكر الخطاب بمعركة الحصول على اللقاح التي خاضها المغرب ونجح فيها، كما نجح في ضمان الأمن الجماعي للمغاربة، ليظل أهم تحد مستقبلي هو الاستمرار في النهوض الاقتصادي الذي يشهده المغرب وجعله يدخل بفضل قيادة الملك لعالم التصنيع، من تصنيع السيارات إلى تصنيع اللقاح الذي سيجعل المغرب في مصاف الدول المصنعة التي وجدت طريقها نحو تحقيق نهضته بفضل هذه الرؤية الاستراتيجية التي تعكس 22 سنة من الإصلاح…
المغرب على المستوى الخارجي:

معلوم أن بلادنا حققت انتصارات كبيرة على مستوى القضية الوطنية وعلى مستوى حضوره الدولي والقاري، وقد ظل المغرب واعيا بكون نهضة شمال إفريقيا لا يمكن أن تحدث بدون تجاوزنا نحن رفقة الجزائر لكل تعقيدات الماضي التي ورثها البلدان والشعبان من فترة الحرب الباردة التي حان الوقت لتجاوزها وترك تعقيداتها وراء الشعبين والبلدين، وحتى لا يظل الخطاب الملكي في عمومياته فقد عدد بعض العناصر، التي يمكن أن تقدم الحل الجماعي نحو النهضة الشاملة التي يمكن أن تتحقق التقدم، وذلك من خلال حوار مفتوح بين قيادات البلدين والشعبين، بدون أية شروط، حوار مفتوح لمواجهة التحديات الأساسية ممثلة في الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات…
جلالة الملك، وهو يتقدم بخطابه للشعب والقيادة الجزائرية، كان واضحا من حيث أنه لا يتحدث بمنطق الأستاذ، ولا بمنطق فوقي، بل بمنطق الشريك والجار، حيث واجها معا تحديات سابقة بكفاح مشترك، كما كان واضحا في تأكيده أنه لم يعد هناك أية مشاكل يمكن أن تعيق هذا الحوار الذي يريده مع الجارة، صريحا، واضحا، شجاعا… على اعتبار أن المغرب قد حسم النزاع المفتعل حول القضية الوطنية و ما على الحاكمين في الجزائر إلا أن يتقدموا بخطوة نحو الأمام، خاصة وأن مختلف الوقائع الموجودة ميدانيا تؤكد أن لا مكان لأي جسم دخيل في المنطقة ولا بين البلدين.
الملك بعث رسائل اطمئنان للجارة الجزائرية، وإن كان قد مَّهد لذلك بعتاب الإخوة، خاصة مع ما ظلت بعض وسائل الإعالم الرسمية الجزائرية تروج له من كون المغرب يستهدف الجزائر «بالمخدرات» وأنه بلد «جد فقير» «منهار» مستشهدا بزيارات الشعب الجزائري للمغرب التي لم تنقطع يوما، والتي عاينت حجم التقدم الذي حققه المغرب، رسالة الاطمئنان هاته التي بعثها المغرب للجارة كانت واضحة، فأمن الجزائر من أمن المغرب، و ما يستهدف الجزائر يستهدف المغرب، وما قد يصيب الجزائر من سوء يصيب المغرب، كما أن المغرب لا يريد أي شر بالجزائر، وهو يؤكد هذه الحقيقة، حقيقة حسن الجوار واليد الممدودة، فهو بإشاراته تلك يؤكد على وحدة المصير المشترك بين البلدين والشعبين…
جلالة الملك قدم خطابا بروح وطنية عالية تجسد قيمة التضامن التي استطاع من خلالها أن يخرج صامدا في مواجهة فيروس كورونا…
وخطاب بروح و حدوية، بناءة ، تريد التوجه للمستقبل مع الجارة لبناء منطقة مغاربية قادرة على مواجهة مختلف التحديات التي ستواجه المنطقة ككل سياسيا، أمنيا، تنمويا…
في انتظار أن يلتقط حكام الجزائر إشارات خطاب عيد العرش المتعددة نحوهم، أكيد أن المغرب، وبفضل قيادة جلالة الملك، سيسير نحو البناء، التقدم والمستقبل.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 02/08/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *