قصة : عطر نسائي لا تضيعوا ودائعه

النهايات، هي الأزلية التي لم نستطع سبر أغوارها لكن قبعة الساحر الكبير على السيرك، تخبئ أرنبا وحمامة بيضاء تعرف كل شيء إلا أن تحلق بعيدا في الأفق. لكن البداية…!!!
البداية كانت عاصفة، خططت فيها أسطرا سميتها شعرا، كتبت للشهداء واكتفيت. وكم كنت شهيد نفسي عندما ترك الوطن ندوبا وقروحا في باطن اليد وعلى لوح الخاصرة، تقهقرت وكتبت لك شعرا عندما كان الشغف والهوس بك، لا يشق له غبار ولا تحفه الأمكنة. هوس مثل حوافر حصان يرسم طريقه على شفا الهاوية.
كان لباس الشتاء رائقا، صوفه ناعم يبعث على رومانسية أخاذة وصوتك الرخامي الذي كانت تشوبه تأتأة أثناء استرخائك في قبلة المساء على شرفة البيت. عجلت بكتابة رسالة لك، هجوتك فيها بداية الأمر، لكن النهايات ترسم لنا، ولا يكون بوسعنا إلا أن ننفذ الأمر المحتوم. أعيد كتابة الرسالة مرارا، وبضغط زر تنمحي السطور، ويذهب معها في الخيلاء الشعور والذكرى!!!
من أنت؟ هذا سؤال الباطن ولا جواب عليه، غير الذي قيل في بيت أعرابي «لست الوحيدة التي دخلت، ولن تكوني من أهل الدار…».
وأنا أحذف الأسطر، تذهب معها مشاعر اللهفة تجاهك. تأخذني رائحة نفاذة؛ عبق السيجارة الأولى مع نسيم عطر نسائي. ملامحها مصوبة تجاه الشارع ترشف القهوة وترجع السيجارة إلى فمها المنفرج، ترسم ابتسامة خفيفة لمشهد في الشارع أمام البنك. ولغرابة الأمر أن الزبائن لم يعيروها أي اهتمام، هل تعود أهل الجنوب على نساء حائرات بين لهفة السيجارة ولذة القهوة؟ تخرج حشرجة ساهمة تهرق كأس ماء معدني، على غرارنا نحن الذي نشرب ماء الصنبور.
أضع سيجارتين على الطاولة، أداعب ولاعتي التي صاحبتني طيلة السنتين، وأدندن بكلمات مسموعة علني أحدجها بهم على غرار العين. ولأن هوسي بأغاني الشيخ إمام ومارسيل أخذني للأيام الخوالي، اكتفيت باللحن الذي أنتجه فمي الذي لا تضيع ودائعه من نثر الكلمات. نسيت الكلمة الفاصل بين مقطعين رئيسيين في الأغنية، لكن الصوت الملحمي الذي تضيف له الأنثوية رونقها، يكمله بحزن قاتل ودمعتين مغصوبتين.


الكاتب : سعد الشيخ

  

بتاريخ : 12/02/2021