في حوار مع الباحثة وفاء بوكروش .. الأغنية الريفية تحمل قيما اجتماعية تتماشى مع خصوصية المجتمع الريفي

وفاء بوكروش باحثة سوسيولوجية في قضايا المرأة لها عدة  مقالات حول المرأة والسياسة، الهجرة بتاء التأنيث، المرأة المقاولة وكذا   مقالات و أبحاث  حول الهجرة في متون الأغنية الريفية لها دراسة انتروبولوجية من خلال  مشاركة في كتاب جماعي حول « أغاني الهجرة مقاربات ومتون».في هذا الحوار نستعرض معها واقع الأغنية الريفية و مدى ارتباطها بالذاكرة الشعبية ،و الهجرة وقضايا ثقافية و اجتماعية أخرى .

 

 بداية ماذا عن واقع الأغنية الريفية وارتباطها بأهل الريف ؟

ترتبط الأغنية الريفية بالريف وأهله ارتباط الروح بالجسد، فهي تعكس حياة الشعب الريفي بشقيها الشفهي والمكتوب، و تساهم في استمرارية المعتقدات الشعبية وتحديد أشكال السلوك والممارسات المتصلة بهما، فالغناء الريفي الذي ينتشر في المناطق الناطقة بالأمازيغية (الريفية)، بل ليتجاوزها ليصل مناطق أخرى .  كما يمكن اعتبار الأغاني شيفرات والغاز تحمل الكثير من الإجابات لكثير من التساؤلات ، فهي مرآة  تعكس المجتمع في كثير من ابعاده ، الثقافية والفنية والسياسية والاجتماعية وغيرها ، وهو ما يجعل الاغنية خزان ثقافي يمكن من خلاله فهم المجتمع وتحولاته ، كما ان لأغنية سلاح تمتلكه الذاكرة الشعبية للتعبير عن القضايا  التي تعيشها، ولأن الفنان ابن بيئته فهو من خلال  ما  يغنيه ليس إلا صدى لبيئته ، بجمالها ونعمها  ،  والفنان قد يكون هو الريشة التي تقوم بتصوير ما تمتلكه المنطقة من موارد وما حباها الله بها من الخيرات ومن ناحية أخرى فهو أيضا  صدى لنزيفها وجراحها وآهاتها وآلامها .
كما للأغاني  دور مهم في بناء شخصية الفرد الذي يعيش في مجتمع دائم التحول والتغير ومليء بالتحديات، فالفن وخاصة الفن الشعبي الريفي ، يعتبر مكون أساسي من مكونات الحضارة وهو تراث مشترك بين جميع أبنائها ومناطقها لأنه يعبر عن ضميرها الجمعي ويرسخ قيمها الحضارية.

 هناك تقاطع بين قضية الهجرة والأغنية الريفية لماذا هذا الاهتمام الملفت لظاهرة الهجرة….؟.

لقد عبرت الأغنية الريفية عن الواقع الذي يعيشه أبناء الريف، ولعل في مقدمة هاته المواضيع ، موضوع الهجرة الذي ينخر الجسم الاجتماعي الريفي.
فالأغنية الريفية الخاصة بالهجرة تبين ظروف عيش المهاجرين ومعاناتهم شأنها شأن جميع الألوان الغنائية ، كما أنها عبارة عن لوحة فنية تجعلك تستحضر جميع ظروف المهاجر والهجرة بصفة عامة، يكفي الإنصات لبعض الأغاني الريفية لفهم أسباب وتداعيات الهجرة والمخاطر والتحديات التي يعيشها المهاجر سواء في طريقه نحو المهجر أو عند وصوله، وهكذا نجد أن الأغنية الريفية لعبت دورا كبيرا في زيادة التلاحم بين أبناء الريف.
حيث أن أغلب الأغاني الريفية الخاصة بالهجرة تحاول تحليل أدق التفاصيل المتعلقة بمجتمع البحث من مكان وزمان، فكان المكان (المجتمع الريفي) حاضرا بقوة في متن الأغاني الريفية فهو يعتبر مدخلا مهما لمعرفة خصوصية المنطقة وتحديد المجال، فالأغنية الريفية تحمل قيما اجتماعية تتماشى مع خصوصية المجتمع الريفي، وهذا يبين الارتباط بين الفنان الريفي وتاريخه الوطني حيث أن الأغنية الريفية تؤرخ للعديد من الظواهر الاجتماعية ومن بينها ظاهرة الهجرة التي قدمت صورة متكاملة حولها.

 هل في نظرك الدراسات حول الأغاني الريفية متواجدة بكثرة؟

إن الدراسة العلمية لموضوع الأغنية الريفية في أصلها وتطوراتها، ظلت نادرة إن لم نقل شبه منعدمة، سواء من زاوية الاهتمام الاجتماعي أو السياسي والتاريخي وغيره.
حيث أن الاشتغال العلمي حول هذا الموضوع قد عرف تفاوتا من حيث المتابعة، ومن حيث زوايا المعالجة، بينما الأصل في البحث العلمي وخاصة السوسيولوجي هو دراسة الموضوع من جميع الجوانب، كي تكون في الأخير مادة خام توجه المسؤولين للتدخل والمواكبة، والاهتمام بتراثنا وثقافتنا من اجل الرقي بالثقافة الريفية الأمازيغية

 كيف كانت مساهمات رواد هذه الأغنية للحد من ظاهرة الهجرة ؟.

أنجب الريف مبدعين كبار لهم ثقلهم في المجال الفني ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أهم رواد الأغنية الريفية. فرقة: إسفظاون، فرقة :إين أومازيغ… الأصوات الفردية نجد : ميمون رفروع ،ميمون الوليد ،علال الشلي ،ميمونت سلوان ، خالد إزري…
أما فيما يخص الأغاني الخالدة التي تناقش ظاهرة الهجرة نجد أغنية ميمون رفروع «كولشي إروح كولشي إوضار» التي انتشرت في الثمانينيات، فهي من أهم الأغاني الشعبية الريفية التي نجد لها صدى في المغرب وخارج المغرب، نظرا لكلماتها البسيطة القريبة من المجتمع الريفي والمتداولة بشكل كبير، وهذا راجع إلى عناية الفنان الريفي بالأشياء البسيطة المكونة لخصوصيات المجتمع الريفي التي تشكل وجدانهم لأن من خلال أغنيته يتم النفاذ إلى أعماق المجتمع الريفي.
كذلك نجد أغنية «أبريدا دازيرا» للفنان سالم دجيلالي. وهي من الأغاني الأولى التي تطرقت لمسألة الهجرة بداية الستينات.
فكانت الموسيقى إحدى الوسائل، التي اعتمدها عدد من الفنانين الذين عبروا من خلال أغانيهم عن عدم ارتياحهم لمسألة الهجرة، لتعكس الأغنية هذا التمزق بين الذهاب والعودة بين الحنين للوطن والواقع المزري الذي يؤدي بالريفي إلى مغادرة الوطن ، فأصبحت الأغاني الريفية أداة توعوية هادفة بيد المغني وهي من جهة أخرى أداة بيد القارئ والباحث لتحليل وفهم الظواهر الاجتماعية المختلفة، إذ نجد الفنان يساهم في إحياء جانب من التراث الريفي وكذلك الواقع الريفي المغربي.


الكاتب : مكتب تطوان عبد المالك الحطري 

  

بتاريخ : 15/11/2022