قضية الصحراء في قرارات مجلس الأمن : جثث دفنت.. مناورات أحبطت.. حقوق انتصرت 2/2

بلغ عدد قرارات مجلس الأمن التي تناولت قضية الصحراء 76 قرارا صدر أولها في أكتوبر من سنة 1975 وآخرها في أكتوبر الماضي، ومن المفترض أن يصدر قرار جديد في أكتوبر المقبل…
37 قرارا سعت الى إعمال ما سمي ب»خطة التسوية» لكن نوايا خصوم المغرب الجزائر والبوليساريو تعمدت تأويل مضامينها بهدف إطالة أمد النزاع. ولم يفلح المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر في إقناعهما بتعديلاته وببدائله خلال الست سنوات التي قضاها بهذه المهمة. ست سنوات تم خلالها دفن «خطة التسوية» و»لجنة تحديد الهوية» وذلك المطلب الذي دأب مجلس الأمن على إدراجه في قراراته واتضح أنه غير واقعي ومستحيل:» اجراء استفتاء حر ونزيه ومحايد «. ونفس المصير بالنسبة لـ»الاتفاق الإطاري» و»خطة السلام « أو ما عرف بمخطط بيكر الأول ومخططه الثاني. وهي أموات تخلى عنها المجلس في قراراته «جثة» بعد «جثة».
اتجهت الأمم المتحدة إلى البحث عن حل سياسي واقعي بعد أن تأكد لمجلس الأمن استحالة تنفيذ «خطة التسوية « ومتطلباتها وما تم اقتراحه من وصفات لعلاجها. وقد قدم المغرب إلى الأمين العام مقترحا يندرج في إطار الجهود التي تبذلها الرباط والتي يصفها مجلس الأمن بالجدية وذات المصداقية..

مقترح المغرب: الجدية والمصداقية و…الواقعية

في 26 يونيو 2006 وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة إلى مجلس الأمن يطلب منه « إعداد قرار ذي طابع جوهري بشأن الحالة في الصحراء… « .وبالفعل وبناء على هذا القرار قدم المغرب في 11 أبريل 2007 مقترحا إلى الأمين العام ، ومن سنتها وإلى اليوم أدرج المجلس في قراراته أنه «يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية «..وهي عبارة ربطها المجلس بالمقترح المغربي الذي تضمن مبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية للمملكة .وقد حظي هذا المقترح بدعم العديد من الدول وأساسا إسبانيا التي كانت قوة استعمارية بالصحراء وتعرف خبايا الملف وتطوراته وكذلك الولايات المتحدة وفرنسا وأغلب الدول الإفريقية …ومما جاء في المذكرة التقديمية للمقترح :
«إنها مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظر لمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة، أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية. كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدأ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديمقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي. وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها، في مجال الحكم الذاتي. فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، وكما يكرسها دستور المملكة».
أطاح المقترح المغربي بكل الصيغ التي أرادتها الجزائر والبوليساريو على مقاسهما وتنسجم مع نواياهما.. واتضح ذلك من خلال ما تضمنه مقترح البوليساريو الذي وكأنه ليس على علم بوفاة خطة التسوية وما تفرع عنها إذ طالب ولا يزال بتنفيذها وبإجراء الاستفتاء… ولم يجد الأمين العام ومجلس الأمن لمواجهة هذا الوضع إلا الدعوة إلى الواقعية.
ففي تقريره بتاريخ 14 أبريل 2008 قدم الأمين العام توصية يطالب فيها ب «التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية لأنهما أمر ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات «.. ودأب المجلس إلى التذكير في قراراته اللاحقة بهذه التوصية.
واستنادا على تلك التوصية بل ومن خلاصات تعامله مع ملف الصحراء صرح المبعوث الشخصي بيتر فان فالسوم (وقد جاء إلى هذه المهمة في يناير 2005) صرح أمام مجلس الأمن وهو يناقش ذلك التقرير بأن « استقلال الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا»، مضيفا «لقد أحسست بالحاجة إلى إعادة التأكيد على هذه الخلاصة المتمثلة في أن استقلال الصحراء الغربية ليس هدفا قابلا للتحقيق…». وكان الممثل الخاص أيريك جونسون قد توصل إلى نفس الخلاصة بعد إدارته للملف من 1994 إلى 1997.
وبعد عشر سنوات كانت خلالها الجزائر والبوليساريو تتعمدان الهروب إلى الماضي وتتمسكان بإحياء عظام «خطة التسوية « وهي رميم، أدرج المجلس، ومنذ قرار 31 أكتوبر 2018 (2440)، الصيغة الموسعة «ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول على أساس التوافق». وفي قراريه لسنتي2022 و2023 أورد أنه «يشجع المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا على العمل مع المبعوث الشخصي بروح من الواقعية والتوافق».
ويعد المقترح المغربي التعبير الواقعي عن الحل السياسي. وقد شرع مجلس الأمن في تعزيز هذا المقترح بتأكيده على تنفيذ القرارات التي صدرت مباشرة بعد تقديمه. وعزز ذلك في ديباجات قراراته الخمس الأخيرة حيث أدرج خمس فقرات مترابطة بعضها ببعض تبرز أن:
العملية السياسية التي شرعت فيها الأمم المتحدة يجب أن ينخرط في المشاركة فيها كل من المغرب وموريتانيا والجزائر والبوليساريو.
أن على هذه الأطراف « التعاون بشكل أكمل مع بعضها بعضا، بوسائل منها بناء مزيد من الثقة، ومع الأمم المتحدة، وكذلك تعزيز مشاركتها في العملية السياسية وإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي». وأن التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي من شأنهما أن يسهما في تحقيق الاستقرار والأمن …».
الالتزام بالمساعدة على التوصل إلى حل سياسي عادل دائم ومقبول ويعود بالفائدة على المنطقة …
التصميم على كفالة حل سياسي عادل ودائم يضمن تقرير المصير في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة..
التأييد القوي للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي بهدف إيجاد حل سلمي للنزاع الذي طال أمده …وأعرب عن استعداده للنظر في أي نهج ينص على تقرير المصير يتم اقتراحه.
وفي محاولة منها للتشويش على المقترح المغربي ومواجهة التأييد الذي يتسع سنة بعد سنة ناورت الجزائر والبوليساريو والمساندين لأطروحتهما على جبهتين. الأولى محاولة توسيع ولاية المينورسو لتشمل حقوق الإنسان. والثانية السعي لعزل المغرب عن عمقه الإفريقي بحشد عناصر من ميليشيات الانفصاليين في منطقة الكركرات. وقد واجهت وبحزم الدبلوماسية المغربية الجبهة الأولى والقوات المسلحة الملكية الجبهة الثانية. وتجاوزت قرارات مجلس الأمن هاتين المحطتين وسجلت بلادنا انتصارا بإحباطها المس بسيادتها على الأقاليم الجنوبية.

حقوق الإنسان: هزيمة التآمر

شكل موضوع إدراج حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية في قرارات مجلس الأمن إحدى مجالات مناورات خصوم المغرب خاصة منذ تقديمه لمقترح الحكم الذاتي في أبريل 2007.وأوحوا لمنابر إعلامية ومنظمات غير حكومية إثارة الموضوع مستغلين ما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لسنتي 2007 (الفقرة 39) و2008 (الفقرة 49):
(الفقرة 49 من التقرير): «بما أن بعثة الأمم المتحدة المينورسو لم تكلف بولاية خاصة في مجال حقوق الإنسان، فليس لها موظفون مكرسون لرصد حقوق الإنسان في الإقليم أو في مخيمات اللاجئين قرب تندوف. كما أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان غير مشتركة في عمليات البعثة. غير أن الأمم المتحدة تعترف بواجبها في مجال الالتزام بمعايير حقوق الاإنسان في جميع عملياتها، بما في ذلك في الصحراء الغربية…».
ودفعوا مؤسسات مناوئة للوحدة الترابية للمغرب إلى تنظيم ندوات وإصدارات وجدت في تقارير منظمات مثل امنستي وهيومان رايت ووتش مبررا لها.
وشرعت جبهة البوليساريو، وتحت الطلب، الدفع بأشخاص لاصطناع اصطدامات مع قوات الأمن بمدن الصحراء للادعاء بوجود انتهاكات.. وتم إغراق الأمانة العامة للأمم المتحدة برسائل احتجاجات بعثتها قيادة الانفصاليين …
شهد مجلس الأمن في سنوات 2009 و2010 و2011و 2012 مناقشات صاخبة سواء أثناء إعداد القرارات أو في تفسير التصويت عليها أثير خلالها موضوع حقوق الإنسان. ودفع خصوم الوحدة الترابية لبلادنا بعض الأعضاء غير الدائمين مثل نيجيريا (2010و2011) وأوغندا (2009 و2010) والمكسيك (2009 و2010) وجنوب إفريقيا (كانت عضو سنتي 2007 و2008) إلى المطالبة بإدخال تعديلات تنص على توسيع اختصاصات المينورسو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان.. كانت المناقشات مطولة امتدت لساعات تم عقبها التوصل إلى صيغة أدرجت في ديباجة القرار 1871 (30 أبريل 2009) وهي:
«وإذ يؤكـد(المجلس) علـى أهميـة إحـراز تقـدم في الجانـب الإنـساني مـن النزاع باعتبـاره وسـيلة لتعزيـز الـشفافية والثقـة المتبادلـة مــن خـلال الحـوار البنَّـاء واتخــاذ تـدابير إنـسانية لبنـاء الثقــة «.
لكن الموضوع أثير من جديد أثناء إعداد قرار سنة 2010 وهددت بعض الدول السابقة بعدم التصويت إذا لم يتم تعديل فقرة الديباجة. وتطلب الأمر مفاوضات وتوافقات أفضت إلى توسيع الفقرة بإضافة « وإذ يلاحظ ضرورة تقيـد جميـع الأطـراف بالتزاماتها، مـع مراعـاة أدوار ومـسؤوليات منظومـة الأمم المتحدة والفقرات ذات الصلة من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة «.
لم تنه الفقرة النقاش الذي كان هدف المناوئين للمغرب منه توسيع ولاية المينورسو لتشمل حقوق الإنسان. فقد عرف قرار 2011 مناورات جديدة من مساندي الأطروحة الجزائرية واجهها المغرب ومؤيدوه بإحباطها وإفشال إعادة النظر في اختصاصات البعثة وتم التوافق على أن يشمل القرار الفقرة التالية:
«وإذ يؤكـد (المجلس) علـى أهميـة تحـسين حالـة حقـوق الإنـسان في الـصحراء الغربيـة ومخيّمـات تندوف، وإذ يشجّع الطرفين علـى العمـل مـع المجتمع الـدولي علـى وضـع وتنفيـذ تـدابير تتّـسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان، مـع مراعـاة كـل منـهما لمـا عليـه من التزامات بموجب القانون الدولي».
وتزامن القرار1979 ل 27 أبريل 2011 بإحداث المغرب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أنشأ 13 آلية جهوية من بينها آليتين في الأقاليم الصحراوية. رحب قرار مجلس الأمن بإنشاء المؤسسة الوطنية و»بالعنصر المقترح في ما يتعلق بالصحراء الغربية، وبالتزام المغرب بأن يكفل انفتاح سبل الوصول غير المشروط أو المقيد لجميع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة».
استمر موضوع حقوق الإنسان في سنة 2012 يحتل حيزا من تقارير الأمين العام ومناقشات الدول الأعضاء بالمجلس. وهي السنة التي زار فيها المقرر الخاص للأمم المتحدة المكلف بالتعذيب المنطقة في شتنبر 2012. وفي قرار 2013 للمجلس تم إضافة الفقرة:
«وإذ يشجع الطرفين على مواصلة جهود كل منهما من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين، بما في ذلك حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، وعلى إيلاء الأولوية لها». وكان الأمين العام قد أقر في تقريره لتلك السنة (2013) بتعاون المغرب مع الجهات المكلفة بولايات في إطار الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وبالدعوة المفتوحة التي وجهها إليها للدخول إلى الصحراء.
وهي الفقرات التي تضمنتها القرارات اللاحقة إلى اليوم (قرار 2023).
وفي خضم هذا النقاش وبدعوة من جلالة الملك زارت المفوضة السامية لحقوق الانسان السيدة نافي بيلاي المغرب في ماي 2014. ولاحظت حسب تقرير الأمين العام «الخطوات الحثيثة التي خطاها المغرب نحو النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها على نحو أفضل. ..».
في خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 2014) قال جلالة الملك محمد السادس:» كفى من المزايدات على المغرب. وكفى من استغلال فضاء الحقوق والحريات، التي يوفرها الوطن، للتآمر عليه.
إن المغرب يتوفر على آلياته ومؤسساته الخاصة، المشهود لها دوليا بالالتزام والمصداقية، لمعالجة كل القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان.
والمغرب هو البلد الوحيد بالمنطقة، الذي يتعاون مع الآليات الخاصة للمجلس الأممي لحقوق الإنسان.
كما أنه مستعد للانفتاح أكثر على مختلف الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية، التي تعتمد الحياد والموضوعية، في التعامل مع قضاياه».
وأضاف جلالته:» لا لأي محاولة لمراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، ولأي محاولة لإعادة النظر، في مهام المينورسو أو توسيعها، بما في ذلك مسألة مراقبة حقوق الإنسان».

الكركرات: صفعة مغربية
على وجه الخصوم

وردت «الكركرات» أول مرة في القرار 2351 لأبريل 2017 اذ أقر المجلس بأن «الأزمة في المنطقة العازلة في الكركرات تثير مسائل أساسية تتعلق بوقف إطلاق النار والاتفاقات ذات الصلة ويشجع الأمين العام على بحث السبل التي يمكن من خلالها حل هذه المسائل».
وفي القرار 2414 لأبريل 2018 أعرب المجلس عن» القلق لوجود جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة في الكركرات «ودعا إلى « انسحابها الفوري «. كما أعرب عن القلق إزاء إعلان جبهة البوليساريو عن عزمها نقل المهام الإدارية إلى بير الحلو. ودعاها إلى الامتناع عن أي عمل من هذه الأعمال المزعزعة للاستقرار».
وفي قراره 2440 لأكتوبر 2018 دعا المجلس جبهة البوليساريو إلى «التقيد التام بالالتزامات التي قدمتها إلى المبعوث الشخصي فيما يتعلق ببئر الحلو وتيفارتي والمنطقة العازلة في الكركرات».
وفي القرارات التالية إلى سنة 2023 أدرج المجلس فقرة تشير بالأصبع إلى البوليساريو يؤكد فيها على «ضرورة الاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي جرى التوصل إليها بشأن وقف إطلاق النار «. ودعوته إلى « التقيد التام بتلك الاتفاقات.. و» الامتناع عن أي أعمال من شأنها أن تقوض المفاوضات التي تسيرها الأمم المتحدة أو أن تؤدي إلى زيادة زعزعة استقرار الحالة في الصحراء».
واتضح من قرارات مجلس الأمن أن جبهة البوليساريو هي المسؤولة عما حدث بمنطقة الكركرات من عرقلة لتنقل الأشخاص والبضائع وأن عليها سحب عناصرها التي عرقلت حركة مرور الشاحنات والأفراد عبر المعبر منذ 21 أكتوبر بعد أن تسللت ميليشياتها إلى المنطقة العازلة وقامت بأعمال عصابات وقطاع طرق. وكان المغرب وبعملية ناجحة للقوات المسلحة الملكية وفي احترام تام للسلطات المخولة له قد أعاد في نونبر 2020 إرساء حرية التنقل وسد الثغرة التي يتسلل منها البوليساريو إلى المنطقة العازلة الكركرات.
ومن خلال قرارات المجلس الصادرة منذ 2020 يتضح كذلك أن ادعاء البوليساريو بأن المغرب هو الذي خرق إطلاق النار المتفق عليه في 1991 هي ادعات باطلة وأن ما يعلن عنه الانفصاليون من عمليات عسكرية (ما يفوق 1000 بلاغ عسكري) هي مجرد جعجعة أوهام في مقرات الجبهة بتندوف..

الجزائر: من طرف مستتر إلى ظاهر في القرارات

افتعلت الجزائر نزاع الصحراء في النصف الأول من عقد سبعينيات القرن الماضي. ورأت في أن الأوضاع الداخلية للمغرب جعلت المؤسسة الملكية في حالة ضعف (انقلابان فاشلان واعتقالات سياسية ومحاكمات استهدفت قوى المعارضة. وانتفاضات في مناطق عدة). وأنها فرصتها كي تزج ببلادنا في الركن الضيق ولم لا لتفرض عليها الحل الذي يخدم روح الهيمنة الإقليمية التي استبدت بها في عهد الرئيس هواري بومدين..
اتخذت منظمة الوحدة الإفريقية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من ذلك القرن قرارات معادية للمغرب تمخضت عن انحياز أنظمة عسكرية جاءت إلى حكم بلدانها على ظهر دبابة واستفادت من أموال جزائرية من جهة ومن جهة ثانية تبنيها الانتهازي لخطاب «التقدمية» و»الايديولوجية الاشتراكية «.. وثالثا غياب بلادنا بعد انسحابها من هذه المنظمة. ووجدت هذه القرارات صدى لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة (خاصة قرارات 1973) وبشكل أقل بقرارات مجلس الأمن لسنة 1975..
اختبأت الجزائر وراء صيغة «الأطراف المهتمة « مدعية أنها غير معنية بالنزاع. (وهي صيغة وردت لأول مرة في قرارات مجلس الأمن في 22 أكتوبر و2 و6 نونبر 1975). بالرغم من أن المجلس قرر الاستماع اليها عشية اتخاذه قراره الأول في 22 أكتوبر 1975.
وبالرغم من أن كل الاقتراحات والتصورات والمخططات التي طرحتها الأمم المتحدة كانت تتطلب ملاحظات الجزائر وموافقتها إلا أن المجلس لم يدرج اسمها بشكل ظاهر وصريح . وكان آخر قرار لم يسمها بالاسم هو الذي يحمل رقم 2414 لسنة 2018. أشار إليها فقط ضمنا كدولة مجاورة وأهاب بها إلى جانب الدولة المجاورة الثانية (موريتانيا) إلى «تقديم إسهامات هامة في العملية السياسية وإلى زيادة مشاركتهما في عملية التفاوض». كما أشار إليها ضمنا كدولة من الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي.
وابتداء من القرار 2440 الصادر في 31 أكتوبر2018 أورد اسم الجزائر في الديباجة إذ رحب بقرارها قبول دعوة المبعوث الشخصي إلى المشاركة في اجتماع المائدة المستديرة في جنيف يومي 5و 6 دجنبر 2018.ورحب بالمشاورات بينها وبين المبعوث الشخصي للأمين العام …
لكن ابتداء من القرار 2494 لسنة 2019 ذكرها تسع مرات كما هو الشأن في قرارات 2020 و2021 و2022 و2023:
تم ذكرها بالاسم خمس مرات. (أكد دعوته للمغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى التعاون بشكل أكمل مع بعضها بعض، بوسائل منها بناء مزيد من الثقة، ومع الأمم المتحدة، وكذلك تعزيز مشاركتها في العملية السياسية وإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي). وهي فقرة تضمنتها القرارات المذكورة.
وكطرف (يكرر تأكيد دعوته جميع الأطراف إلى إبداء التعاون التام مع البعثة).
كعضو ضمن الأعضاء في اتحاد المغرب العربي. (إذ يعترف المجلس بأن التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، من شأنهما أن يسهما في تحقيق الاستقرار والأمن …).
كبلد مجاور وكدولة مجاورة. (يشجع البلدين المجاورين على القيام بإسهامات في العملية السياسية).
وقرار 2019 كما قرأه وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة « يكتسي أهمية خاصة لتضمنه تطورا نوعيا، واحتوائه على عناصر بنيوية للمسلسل السياسي كما أنه يوضح معايير الحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي». وأنه يرسم وبوضوح، معالم الحل، الذي، ووفقا للفقرة 2 من منطوقه «يجب أن يكون «سياسيا وواقعيا وبراغماتيا ومستداما، وقائما على التوافق».
ظلت الجزائر طرفا مستترا في قرارات مجلس الأمن. لكن ها هي الحقائق تقنع المجلس ومعه المنتظم الدولي بأنها من يعارض إيجاد حل للنزاع الذي جعلته أحد ركائز استراتيجيتها الإقليمية وروح الهيمنة التي تسكن مؤسستها العسكرية.
هذه قراءة صحفية لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء المغربية ال 76. رافقتها أكثر من 5 بيانات لرئيس المجلس خاصة بعد إرجاء إصدار قرارات. وأكثر من 25 رسالة متبادلة بين الأمين العام ورئيس الآلية الأممية همت على الخصوص تقارير أو إسناد مهام ببعثة المينورسو التي عرفت 16 ممثلا خاصا (لهم ولاية تقنية وإدارية) وأكثر من 16 قائدا للوحدة العسكرية وخمسة مبعوثين شخصيين لهم ولاية سياسية.
وحده «التمديد» تمديد ولاية البعثة ظل معطى ثابتا في قرارات المجلس منذ 1993 لإفساح المجال للحل السياسي، والذي لن يكون إلا في إطار المقترح المغربي.
76 قرارا، خمسة عقود والمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها وقطار التنمية بالأقاليم الجنوبية تزداد سرعته سنة بعد سنة، مشروع بعد مشروع، والهزائم، هزيمة تلو هزيمة تلحق بخصوم وحدة المغرب الترابية.


الكاتب :  مصطفى العراقي

  

بتاريخ : 28/02/2024