هل تقر فرنسا بقانون متشدد للهجرة تحت ضغط اليمين واليمين المتطرف؟

 

يشعر اليمين المتطرف الفرنسي، بزعامة مارين لوبين، بالغبن جراء الاستحواذ على أفكاره من طرف جزء من الأغلبية الرئاسية، وكذلك من طرف اليمين الجمهوري، فكل مطالبه تم التجاوب معها في مشروع القانون الجديد للهجرة، الذي أصبح الأكثر تشددا في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وتم تبني أغلب مطالب حزب مارين لوبين حول عدم إصدار قانون لتسوية وضعية المهاجرين بدون إقامة في المهن المطلوبة، وتسريع وتيرة الطرد، وسحب المساعدة الطبية للدولة عن المهاجرين بدون إقامة، وعدم السماح بالحصول على المساعدات للأجانب في وضعية قانونية إلا بعد 5 سنوات من الإقامة، وهي كلها قوانين تمس بحقوق الأجانب وتتعارض مع الدستور الفرنسي، الذي يقر بالمساواة بين مختلف المقيمين بفرنسا بدون تمييز.
طبعا اليمين المتطرف، الذي يطمح للوصول إلى الحكم في الانتخابات المقبلة، يشعر أن الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة، وحتى في المعارضة، تستولي على أفكاره ومشاريعه، وتعمل على التصويت عليها حتى قبل وصوله إلى سدة الحكم. بمعنى أنه سيطبق جزءا من برنامجه السياسي حتى قبل وصوله إلى الحكم.
هذا التحول في المشهد السياسي الفرنسي تم بفضل الاستراتيجية التي نهجها وزير الداخلية جيرار درمنان منذ 18 شهرا، وأراد استعمال هذا القانون لتقسيم واستمالة اليمين واليمين المتطرف من خلال استعمال سياسة العصا والجزرة، خاصة مع نواب الحزب الجمهوري، وهي المقاربة التي نجحت مع الغرفة الثانية.
لكن «انقلب السحر على الساحر»، كما تقول الحكمة الشعبية، وأصبح هو من يخضع لهذا التيار السياسي من أجل تمرير قانون الهجرة الجديد، وهو ما تعكسه المفاوضات الشائكة التي تتم منذ يوم الاثنين.
هذه المفاوضات، التي تشرف عليها رئيسة الحكومة إليزابيت بورن، وذلك بطلب من رئيس مجموعة الجمهوريين إيرك سيوتي، الذي يسعى من خلال هذا السلوك إلى إضعاف غريمه جيرار درمنان، وحتى التخلص منه سياسيا، وفي هذا الإطار تم عرض المشروع على لجنة مشتركة بين الغرفتين من أجل إنقاذ مشروع القانون حول الهجرة منذ الاثنين الماضي في لجنة تضم 14 عضوا من المجلسين: سبعة نواب من الغرفة الأولى وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ.
المعلومات التي تسربت حول أشغال هذه اللجنة، تفيد بتشديد هذا القانون، والخضوع لمطالب اليمين المتشدد، وهو الأمر الذي يمكن أن يثير حفيظة بعض نواب النهضة، أي يسار الأغلبية الرئاسية، ويهدد بإسقاط هذا القانون بعد عودته أمام مجلس النواب.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أعلن أن حكومته لن تلجأ إلى بند 49.3 كما فعلت مع قانون التقاعد، خوفا من الانعكاسات السياسية لهذا الاختيار، الذي سوف يفتح الأبواب لنجاح اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة. وطالب النواب « بتسوية ذكية» من أجل تمرير قانون الهجرة.
هذه الأزمة السياسية التي تسبب فيها مشروع قانون الهجرة بدأت يوم 11 دجنبر، بعد تبني البرلمان لاقتراح الرفض، والذي نتج عنه رفض مناقشة هذا القانون داخل الجمعية العامة، وهو أمر لا أحد كان يتوقعه، خاصة التحالف غير الطبيعي سياسيا، والذي تم بين اليسار بمختلف أطيافه، وبين اليمين واليمين المتطرف، من أجل إسقاط هذا المشروع، وذلك لأسباب مختلفة حسب الانتماء السياسي.
اليسار المكون من الخضر، وفرنسا الأبية والاشتراكيين والشيوعيين أسقط هذا القانون بعد أن اعتبره غير عادل في حق المهاجرين ويزيد من التضييق على الأجانب المقيمين بفرنسا، في حين أن اليمين واليمين المتطرف أسقط هذا القانون واعتبره ليس صارما بما يكفي ويمكن بعض العمال بدون إقامة من تسوية وضعيتهم. وهنا تكمن الطامة الكبرى، فهذه التحالفات، التي أصبحت تمس المشهد السياسي الفرنسي، غير طبيعية، وعندما يتعلق الأمر بالهجرة يصبح هذا المشهد غير عقلاني، يقول بونوا حامو أحد الوزراء السابقين في الحكومة الاشتراكية. «كل ما يتعلق بالهجرة يثير العاطفة والردود العاطفية بالمجتمع الفرنسي، وهي ظاهرة لم تعد تقتصر على فرنسا بل تشمل كل البلدان الأوربية». وهو ما يعكسه تصاعد اليمين المتطرف ووصوله إلى الحكم بالعديد من البلدان الأوربية.
هذا القانون، الذي تأجل سنتين تقريبا، يحرم بعض المقاولات الفرنسية، التي تطالب بتسوية وضعية العمال الذين ليست لهم إقامة من أجل الحد من الخصاص في عدد كبير من القطاعات سواء البناء والأشغال العمومية، أو قطاع السياحة والفندقة والمقاهي والمطاعم، وهو خصاص يصل إلى عدة مئات من الآلاف، في الوقت الذي يوجد بفرنسا حوالي 700 ألف مهاجر بدون إقامة قانونية حسب الدوائر الرسمية. لكن الجدل السياسي واستعمال الهجرة في هذا الجدل لن يسهل عمل المقاولات، وهو ما تترتب عنه مضاعفات على المستوى الاقتصادي، وكذا على المستوى الاجتماعي، حيث أن عددا كبيرا من المهاجرين يقطنون فرنسا لسنوات طويلة دون الحصول على الإقامة وعلى حقوقهم الاجتماعية.
فهل ستنهج فرنسا سياسة جورجيا ميلوني، زعيمة اليمين المتطرف الإيطالي ورئيسة الوزراء، التي تردد خطابا معاديا للهجرة وتسوي وضعية المهاجرين بدون إقامة( تمت تسوية 123 ألف حالة سنة 2023) لحاجة اقتصاد بلادها لهم، وهل سيأخذ الفرنسيون بسياسة الواقعية، التي تنهجها الحكومة الإيطالية؟


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 20/12/2023