بيان حقيقة عمرها… ستون عاما!

الاتحاد الاشتراكي

نشعر في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن المرحلة الحالية هي مرحلة مناسبة لنقاش سياسي عميق وهادئ ومسؤول، يستوجب منسوبا عاليا من الحرارة والوضوح في تحديد الأولويات. ومن الأولويات التي وضعها الاتحاديون والاتحاديات في أدبياتهم الحديثة، ومنها بيان مجلسهم الوطني الأخير، مناقشةُ أعطاب المرحلة، مع من هم مسؤولون عنها، في إطار مؤسساتي يشمل كل الفضاءات التي وضعتها الديموقراطية بين أيادي الشعوب لمناقشة قضاياها، عبر تدافع بين الحكومة والمعارضة تدافعا صريحا وبوجه مكشوف.
ولعل من المؤسف أن يجد الاتحاديون والاتحاديات أنفسهم في وضع الدفاع عن تاريخ حزبهم وقيمه ووسائل عمله، كما لو كان حزبا قد جادت به ريح عفوية وطارئة ساقته إلى المشهد السياسي، وفي وضع العودة إلى نقاشات عتيقة بخصوص هذا التاريخ، ومن المؤسف حقا أن يكون الوصول إلى هذا الأمر يمر عبر الرد على زملاء في الميدان الإعلامي، ومنهم الزميلة »بدرية« في «برلمان .كوم» من خلال فيديو برنامجها الشهير » «ديرها ع زوينة««، ومرد هذا إلى عدة أسباب منها:
أولا: لقد كنا قد قطعنا على أنفسنا عدم الدخول في أي سجال، في قضايا تهم مواقف الأحزاب وتدافعهم، إلا إذا كانت من منظمات أو هيئات أو أحزاب تشغل حيزا مؤسساتيا محددا، تكون له تبعاته أمام الرأي العام، وأن السجال مع الزملاء يجب أن يأخذ صيغة الحوار والتوضيح واستشعار المهمة المشتركة بين كل الفاعلين فيه من أجل مصداقية المشهد العام في بلادنا، وتمكين الرأي العام الوطني من أدوات بناء المواقف التي يراها مناسبة بعد أن نحرص جميعا على توفير المعطيات الصادقة له…
ثانيا: إن بعض الزملاء، أحيانا وبدون غرض ذاتي، يحرموننا من فرصة التوجه بالرد أو المساءلة إلى الأغلبية أو غير الأغلبية في النقاش السياسي عندما يفرضون علينا نقاشا يدور بيننا وبينهم، بعيدا عن متابعة الفعل الحكومي ومسلكيات الطبقة السياسية وآثار السياسات العمومية للأحزاب التي تقود الحكومة، على المعيش اليومي للملايين من المغاربة.
ثالثا: أننا نشعر بالحزن مضاعفا عندما نكون مضطرين إلى شرح الواضحات لمن نشترك معهم الكثير من القيم والتاريخ حتى…ومن الأهداف الوطنية النبيلة، ونشترك معهم الخندق نفسه في الدفاع عن الثوابت وعن المسلمات الوطنية التي تسمو علينا جميعا. بل إن مرد الاستغراب هو أن زملاءنا احتضنوا النقاش الذي كان مع الكاتب الأول في برنامج «ديكريبطاج»، وعملوا، مشكورين، على تغطية أهم ما فيه …
بعد هذه المقدمات، يشعر الاتحاديون والاتحاديات بغير قليل من الاستغراب، وهم يتابعون الفيديو المذكور أعلاه، والذي سمته الصحافية بدرية «مسامير الميدة»، وهو يقوم بتلخيص تاريخ حزبهم منذ تأسيسه من طرف» عبد لله إبراهيم والشهيد المهدي بنبركة«، في مشروع أناس يتعطشون إلى الحكم .. والحقيقة أن تاريخ هذا الحزب أوسع بكثير من سيرة مناضليه، وفيهم من عمل إلى جانب المغفور له محمد الخامس وكان معه وقت الدفاع عن رمز السيادة وعودتها ودافع معه عن استقلال البلاد، ومنهم من رافق الحسن الثاني في ظروف الدفاع عن الوحدة الترابية ودفع ثمن وطنيته العالية المنسوب، ومنهم من قبَّل الملك محمد السادس، نصره الله، جبينه بعد ما أسداه للبلاد في عز انتقال الحكم، … أما «المسامير..»، فلا يذكر الاتحاديون المخلصون والاتحاديات المخلصات لوطنهم وملكهم وحزبهم سوى .. مسامير التوابيت التي أخْفت جثث شهدائهم وشهداء الوطن.
وفي السياق نفسه، نال الإعلام الحزبي نصيبه من هذا التبخيس، حتى قيل إن «الاتحاد عاد بلا ريش وبلا إعلام… وبلا نقابة…».
والحقيقة أننا لم نخن القسَم الوطني ولا الأخلاقيات المهنية لكي يتم إعلان وفاتنا ونهايتنا، وكان من الإنصاف والزمالة القول إن الاتحاد من بين الأحزاب القليلة التي حافظت على صوتها الإعلامي واضحا ومسموعا، وعلى لسان حالها حيا، لا تحركه سوى الدوافع الوطنية والنوازع المهنية، في المرافعة من أجل الوطن وقضيته المقدسة ومؤسساته، كل مؤسساته .. ومن المؤسف ألا يتم الانتباه إلى أن هذه الثوابت تجمعنا مع العديد من المنابر والزملاء، وكم من مرة وجدنا أنفسنا في نفس الخندق مع الزملاء في «برلمان. كوم» ومع الزميلة بدرية في مواجهة العدمية والتشكيك والتنمر ضد الوطن ومؤسساته، الدينية منها والديموقراطية والتاريخية والأمنية والعسكرية …
ومن الإنصاف الإقرار أن الإعلام الاتحادي استطاع الصمود، بالرغم من كل الظروف، سابقا ولاحقا، وهو يسعى أن يكون لسان حزب يعَرِّف نفسه بأنه حزب للقوات الشعبية، وحامل لصوت الذين يشعرون أنه يعبر عنهم، وهو لسان حزب استطاع أن يبقي صامدا، ويحافظ للمهنيين، بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، على كل مكتسباتهم، حتى في عز أزماته الداخلية، ثم في عز الأزمة الناجمة عن كوفيد 19، وما بدَّل تبديلا.

‬أما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانتشار،‭ ‬فالجميع‭ ‬يعرف‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬الجهات‭ ‬المهنية‭ ‬والمرصد‭ ‬الخاص‭ ‬بالانتشار‭ ‬وشركة‭ ‬التوزيع،‭ ‬بخصوص‭ ‬الصحافة‭ ‬الوطنية‭ ‬كلها،‭ ‬وكان‭ ‬الأولى،‭ ‬ ‭‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نستعدي‭ ‬أحدا‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الكاتب‭ ‬الأول‭ ‬للاتحاد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أحزاب‭ ‬بلا‭ ‬إعلام‭ ‬ولا‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬وأخرى‭ ‬لم‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬إعلامية‭ ‬معروفة‭ ‬الهوية،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬التنشئة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬المسؤولة‭ ‬لديها‭…‬
‭ ‬وأما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفعل‭ ‬الميداني،‭ ‬فالزملاء‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬النقابية،‭ ‬اجتماعيا‭ ‬ومهنيا‭ ‬وقطاعيا،‭ ‬تعرف‭ ‬حضورا‭ ‬لافتا‭ ‬لمناضلي‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬وفي‭ ‬القاعدة،‭ ‬ولن‭ ‬نخفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬المُرَّة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬بواجب‭ ‬وحق‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا،‭ ‬فالواقع‭ ‬النقابي‭ ‬يعرف‭ ‬انكماشا‭ ‬عاما‭ ‬والوسائط‭ ‬كلها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬حارقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حراك‭ ‬اجتماعي‭ ‬يصيب‭ ‬بلادنا،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬المعاينة‭ ‬أن‭ ‬تخفي‭ ‬حقيقة‭ ‬تواجد‭ ‬الاتحاديات‭ ‬والاتحاديين‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وفي‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحافة،‭ ‬وفي‭ ‬نقابات‭ ‬العدل‭ ‬والتعليم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مناضلين‭ ‬ومناضلات‭ ‬في‭ ‬الفدرالية‭ ‬الديموقراطية‭ ‬للشغل،‭ ‬وفي‭ ‬التكتلات‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬الأطباء‭ ‬والصيادلة‭ ‬والمحامين‭ ‬والمهندسين‭… ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمراقب‭ ‬الموضوعي‭ ‬أن‭ ‬يغفله‭.‬
‭ ‬ولا‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬النقابات‭ ‬يستوجب‭ ‬أن‭ ‬يقزَّم‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬يسائل‭ ‬التعبيرات‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬نحتاجها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظات‭ ‬الأزمة‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬المشروعة‮..‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬الوحيد‭ ‬أو‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يجدد‭ ‬هياكله‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬دوريته‭ ‬التنظيمية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ذاته،‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ولعلنا‭ ‬لن‭ ‬نرمي‭ ‬أحدا‭ ‬بالحجر‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نستغرب‭ ‬إعلان‭ ‬وفاة‭ ‬حزب‭ ‬يحترم‭ ‬كل‭ ‬أجندته‭ ‬التنظيمية‭ ‬والقانونية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬توجد‭ ‬أحزاب‭ ‬بلا‭ ‬مقرات‭ ‬وبلا‭ ‬لقاءات‭ ‬بل‭ ‬بلا‭ ‬مؤتمرات‭ ‬وطنية‭ ‬حتى‮…!‬
نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يتسع‭ ‬صدر‭ ‬زميلتنا‭ ‬‮«‬بدرية‮»‬‭ ‬لهذه‭ ‬التوضيحات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها،‭ ‬وهي‭ ‬وإن‭ ‬ظهرت‭ ‬مثل‭ ‬بيان‭ ‬حقيقة‭ ‬فإنها‭ ‬حقيقة‭ ‬عمرها‭ ‬60‭ ‬سنة،‭ ‬وكلانا‭ ‬يعرف‭ ‬بأن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخافها‭ ‬أبناء‭ ‬حزب‭ ‬دفع‭ ‬ثمنها‭ ‬غاليا‮.‬‭ ‬

 

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 08/02/2024

التعليقات مغلقة.